badboy بين العربوفوبيا والإسلاموفيا
سماح بصول

(الصورة عن موقع Netflix)

أطلقت منصة نتفليكس في شهر أيار الحالي مسلسلًا إسرائيليًا يحمل اسم "ولد سيء" (BadBoy). في بالبداية وبتزامنه مع عرض المسلسل البريطاني المتقن "المراهق" (Adolescence) يبدو الأمر وكأن هناك تناسق وتكامل، لكن بعد مشاهدة الحلقة الأولى من "ولد سيء" تتضح الصورة بأن القليل المشترك بين المسلسلين هو البطل ابن الـ 13 عامًا، وغياب دور الأهل في حياة المراهقين الذين ينقادون الى أماكن مظلمة يكتشفها الأهل في مرحلة متأخرة جدًا.

رغم التكرار و "المطمطة" في الحبكة، الا ان في هذا المسلسل مادة جديرة بالمشاهدة لفلسطيني يعيش في الداخل (48)، لأن ما يعرضه يلخص ما يدور في فلك تعاطي المؤسسة مع المواطن، ومع المراهق، ومع المراهق وفقًا لانتمائه القومي والعرقي، والتفاوت في التعامل، الى جانب الكشف عن بعض من فساد منظومة مصلحة السجون، والخدمات المقدمة للسجناء بشكل غير قانوني، وحالة الإحباط التي تكرسها هذه المنظومة لدى السجناء خاصة وأن الحديث يدور عن قاصرين. كما تكشف لنا مدى الإحباط لدى عمال مصلحة السجون الذين ينحدرون في معظم الحالات من أصول شرقيّة في إشارة إلى مكانتهم الأدنى من العرق الأبيض.

تبدأ الحكاية من ممثل، وهو "دين المستقبلي"، يقدم عرضًا كوميديًا على المسرح يكون استعادة لقصة حياته ونجاته من عالم الإجرام. حكايته انطلقت من قرص "ريتالين"، دواء مهدئ يعطي بكميات مهولة للقاصرين بحجة مساعدتهم على التركيز والهدوء والتخلص من فرط الحركة، وعلى الرغم من ان الكثير من الأبحاث اثبتت سوء استخدام هذا الدواء وتأثيره للمدى البعيد على الاسنان، الا ان المنظومة التعليمية ومنظومة الصحة النفسية لا تزالان تقدمانه كالحلوى للطلاب. تحاول والدة "دين" ان تعطيه ريتالين، لكنه في لحظة ما يعبر عن ان اكتئابه نابع من عدم وجود أصدقاء له، ولذا فمهربه هو حارس المدرسة الذي يروي له قصص العنف والبطولات الزائفة. في تلك اللحظة تأتي الشرطة لاعتقاله من منزله، وتكون هذه لحظات حاسمة للاطلاع على علاقة الام والابن، من خلال المعاتبة والتكذيب وإقناع المراهق بأن المشكلة فيه وليس في كل ما يحيطه. من هناك يدخل "دين" المعتقل مصحوبًا بموسيقى تصويرية صاخبة تعلن ولادة نجم جديد في عالم الإجرام، نفهم في النهاية أنه الأبيض البطل الذي نجا وحاول دائمًا إنقاذ أصدقائه "الملونين".

لكن كل هذه الحكاية التي تحاول تقديم صورة عما يدور في أروقة الاصلاحيات وسجون القاصرين ومصلحة السجون وإعادة التأهيل تتقزّم بالنسبة لي حينما تظهر شخصيات العرب وسط حقل الألغام الإسرائيلي المنقسم بين أشكناز وشرقيين، بين الأوروبي والأفريقي، بين العلمانيين والمتدينين.

عربيُ أنا.. إخشونيّ

يقدم هذه المسلسل صورة معينة عن العرب، نساءً ورجال، نمط واحد لا غير يندرج تحت الوصم بالإرهاب والتخلف والإجرام. في الحلقة الأولى يصادف "دين" في المعتقل رجلًا بالغًا يقول له انه من السيء دخول السجن ممارسة الجنس لأول مرة، ويعرض عليه ان يرتب له علاقة مع واحدة من ثلاث نساء معتقلات يجلسن في نفس المكان، ويخيره بين عاملات جنس أو "آمنة" العربية المحجبة التي يصفها بأنها "مخربة جاءت لتفجر نفسها بعائلاتنا".يدخل "دين" الإصلاحية او سجن القاصرين ويلتقي بـ "أنخيسي" الذي يتحدث العربية وعلى يديه يتلقى دروس القبول..  بعد مشاهد قصيرة يُقتل "أنخيسي" العربي وتقدم مديرة السجن ثيابه لـ "دين" وكأنها تنقل إليه شخصية المجرم الصغير ليرتديها.

في الحلقة الثانية نرى "دين" يخاطب رفيقه في غرفة السجن، ويحدثه كيف حصل على مسدس، فيقول "قالوا إن هناك عائلة إجرام في جلجولية تبيع المسدسات بسعر رخيص. العرب لا يستقبلون الضيوف كما يقال عنهم، واتضح لي ان العرب لا يحبون الحمير، لقد وصلت ووجدت فاطمة وفاطمة ثم وجدت فطيمة سيدة عمرها 100 عام قلت لها ان لدي حصان، عملنا صفقة واستبدلت الحمار بالمسدس، قلت لها انه حصان قصير لكنه سيوصلك الى أي مكان" ان كل الحكاية حول تجار السلاح العرب تتضح لاحقًا بأنها نكتة او كذبة، لكن الخيار بأن يكون أبطالها عربًا يضاف إلى سابقيه لتكوين صورة محكمة عن علاقة العربي بالإجرام والإرهاب وبعض البدائية والتخلف.

يغيب العربي ثم يعود ليظهر في الحلقة الخامسة، خلال دروس التوراة يقرأ المعلم آية من سفر شموئيل أ، فصل 17، آية 27 تقول "ويقول داوود الله أنقذني من الأسد ومن الدب وسينقذني من هذا الفلسطيني، ويقول شموئيل لداوود اذهب فالله معك"، قد تكون هذه الية المختارة وسيلة لتحري أسلوب تفكير "دين" وعدم انضباطه وسعيه للمغامرة دون خوف، لكن التوراة مليئة بالقصص التي يغامر فيها الناس ويقاتلون أعداءً، لكن مواجه الفلسطيني هنا المقصود به جوليات هي فاتحة لحرب آتية مع فلسطيني آخر في حلقة أخرى.

في الحلقة الخامسة ذاتها ينطلق "دين" الى تجارة المخدرات، تأتي سيارة بأربع رجال سرعان ما يتضح أنهم عرب، الأخوة "أبو دياب" الذين يحدثونه بلغة عبرية بلهجة عربية واضحة ويخلطون بعض الكلمات العربية للتعبير عن ثقتهم بهذا الولد المجنون. نعود الى منصة العرض الكوميدي حيث يقف "دين" المستقبلي ويروي نكتة عن العرب "العرب يصفرون دون استخدام الأصابع. كان هناك حوار في السجن بين ألون وخضر، لم يعرف ألون أنه سيقول جملة تودي به الى التهلكة، لقد لخضر أنا لم أمارس الجنس مع عربية" من هذه الجملة ننتقل فورًا الى مشهد يأتي فيه مقنّع على دراجة نارية ويطلق الرصاص على عصابة أبو دياب ويرديهم قتلى، ثم تحوم مجموعة طيور صفراء فوق جثثهم كما كانت تحوم فوق رأس توم كلما تلقى مقلبًا من جيري! هل عرفتم ماذا كان مصير ألون؟

قد لا يعرف المشاهد الغربي هذه الحيثيات، لا يميز اللهجة ولا الكلمات العربية، لكن بناء الحوار كان يلاصق ما بين كلمة عربي وقصة سلبية، بالتالي تتشكل الفكرة هو ماهية العربي وصفاته.

عربوفوبيا.. إسلاموفوبيا

في الحلقة السادسة ينطلق "دين" المستقبلي من على منصته الكوميدية ليقول معلومات أخرى عن العرب "انهم ليسوا عربًا فقط، بل عربيين. رزمة مع كبش وجمل، وشجرة زيتون، وحمار ونرجيلة. لن ترى عربي مع كلب هاسكي سيبيري وشجرة سرو. اللحية بلا شوارب هذه اختراع عربي، كيف هندسوها بهذا الشكل لتكون عربية".. تنتهي النكتة ويضحك الجمهور وينقلنا المخرج إلى فصل آخر من فصول الإجرام- سيارة سلطة السجون تسير نحو الإصلاحية وفيها مجموعة من العرب واليهود، قاصرين عرب مع كوفية على الأكتاف وقبعات بيضاء كأنهم حجاج. هؤلاء أنفسهم يصلون الإصلاحية في الحلقة السابعة التي تبدأ من تحرشهم بسجين لا يتعدى عمره الـ 12 سنة، لنتفرّغ بعدها للإسلاموفوبيا.

يجتمع العرب -المسلون للصلاة وسط ساحة السجن، مجموعة شباب ملتحين يكبرون بصوت عالٍ "الله أكبر"، وهذا المشهد كفيل بدغدغة ذكريات وخيال المشاهد الغربي وربطه مع كل ما شاهده وعرفه من نشرات الأخبار عن المسلمين. يقوم السجناء المسلمون بالصلاة يقابلهم اليهود بغناء "هتكفا"، لنعرف لاحقًا أن العرب في السجن يملكون لقبًا "إنديانيم" (أي  Indiansهنود حُمر)، لم تتم تسميتهم كذلك؟ "كي لا تتم اهانتهم" يقول أحد السجناء. إذا فكلمة عربي هي إهانة!

"لقد سيطر الهنود الحمر على السجن نحن نمنع من الصلاة في الخارج، نصلي داخل غرفنا فقط كما كنا وقت المحرقة"، ما الرسالة المرجو ايصالها الى المشاهد؟ ان العرب كالنازيين، يضيقون الخناق علينا ويريدون قتلنا.

في النقلة الأخيرة الى منصة الستاند اب كوميدي يستذكر "دين" المستقبلي هذه الحادثة ويقول "انهم يؤدون اليوغا، يجلسون يقفون يركعون، مجموعة عرب مع بساطهم الطائر". لقد كانت البساط الطائر رفيقًا لعلاء الدين، لكن علاء الدين هنا ليس رحالة يجوب البلاد أملًا بإنقاذ حبيبته ياسمينا، بل مجموعة تهدد الكيان اليهودي في السجن الأصغر كما في السجن الأكبر!

جميع الحقوق محفوظة © 2024