الرقابة الإسرائيلية على الأفلام
سماح بصول

بعد فوز الفيلم الوثائقيّ "لا أرض أخرى – no other land" بجائزة الأوسكار في شهر شباط 2025، وإظهاره للعالم بعضًا من ممارسات الاحتلال على أرض جنوب الضفة الغربيّة، سارع وزير الثقافة والرياضة الإسرائيليّ ميكي زوهر بتعميم رسالة على مديري دور السينما والمؤسسات الثقافيّة المدعومة من وزارته، يطالب فيها عدم عرض الفيلم، ومنحه منصّة للتشويه والتشهير والمسّ بسمعة إسرائيل، وهدّد بالتزامه عدم منح أموال الدولة لجهاتٍ تدعم وتقدم محتوى يضر بالدولة ويخدم أعداءها- كما جاء في نص الرسالة.

بعد تعميم الرسالة، وضّحت مؤسسات حقوقيّة أنه ليس من صلاحيات وزير الثقافة والرياضة إصدار أوامر لعرض أو منع عرض أفلام، أو حتى إرسال طلبات كهذه إلى المؤسسات الثقافيّة التي تتلقى دعمًا ماليًا من وزارته، إلا أن هناك تأثير سلبي لمثل هذه الرسائل، كونها تخلق حالةً من الخوف في أوساط إدارات المؤسسات المذكورة، خاصة تلك التي تعتمد اعتمادًا كليًا على تمويل وزارة الثقافة.

الوزير زوهر ليس الوزير الوحيد الذي أقدم على خطوة كهذه، فقد سبقته الوزيرة ميري ريجف عندما حاولت التصدي لعدد من الأفلام التي لا تتماشى في محتواها مع أجندات الحكومة، ولعل أبرزها كان الفيلم الروائي "فوكس تروت" (2017 إخراج شموليك معوز) الذي حاولت ريجف منع عرضه وحاربته بكل الوسائل المتاحة لها كونه يضم مشهدًا تقوم خلاله مجموعة من الجنود الإسرائيليين بقتل ركاب سيارة فلسطينيين ثم يقومون بدفن السيارة بمن فيها، كما يتطرق الفيلم لانتحار الجنود بعد أداء خدمتهم العسكريّة وارتكابهم للفظائع في الأراضي الفلسطينيّة.

على أثر العاصفة التي أثارتها ريجف، تبنى رئيس بلدية مدينة "معالوت"، التي تبتلع إداريًا قرية ترشيحا الفلسطينية، هذه المحاولات وسعى بدوره في العام 2019 إلى إلغاء عرض فيلم "ليئا تسيمل – محامية" في القصر الثقافي في مدينته، وهو مؤسسة تابعة للبلديّة، بحجة تأثيرٍ محتملٍ للفيلم على النسيج الاجتماعيّ في المدينة المختلطة والمس بمشاعر الجمهور، إلا أن نائبة المستشار القضائي للحكومة آنذاك دينا زيلبر، قضت بعدم وجود أساس قانونيّ لقراره، وأكدت أن في الأمر انتهاك واضح لحريّة التعبير، كما يمنع استبعاد محتوى غير متفق عليه في أوساط الجمهور لمجرد كونه خلافيًا.

إن محاولات وزراء الحكومات اليمينية أو رؤساء بلديات هي رسالة مفادها أن أنشطة المؤسسات الثقافيّة وأعمال المخرجين السينمائيين خاضعة للمراقبة من قبل السلطة وأذرعها، وأن هناك سعي متصاعد لتكييف محتوى النشاطات والإنتاجات مع توجهات ومواقف ورغبات والحالة المزاجية للحكومة ومؤيديها المتواجدين في مراكز اتخاذ القرار، كجزء من مساعي تقييد التعدديّة وتنوّع الآراء، والهيمنة على ما تبقى من المساحة الحرّة التي تتمتع بها الفنون.

وبالنظر إلى التاريخ الطويل لمنع عرض الأفلام نرى أن الجمهور كان ينشط بين الحين والآخر لمنع عرض فيلم أو التشويش على العروض خلال حدوثها. ففي العام 2022 قام أحد سكان مدينة برديس حنا بالإعلان عن استضافة فيلم " H2 مختبر السيطرة" للمخرجين نوعام شيزاف وعيديت أفرهامي، ويتناول عملية الاحتلال البطيء للخليل وقمع الفلسطينيين والممارسات الوحشية ضد سكان تل الرميدة وسكان البلدة القديمة عمومًا. كان من المخطط أن يلي العرض حوار مع أحد المخرجين. لكن، قبل العرض بيومين وصلت رسالة الى رئيس البلدية تطالبه بمنع عرض الفيلم في مؤسسة تابعة للبلديّة، ومن ثم تلقى مدير المركز الجماهيري اتصالات تطالبه بإلغاء العرض نظرًا لحساسية المحتوى، وبالفعل تم إلغاء العرض.

أما في العام 2011، فقام الجمهور بإطلاق عريضة لمنع عرض فيلم "ميرال" للمخرج اليهودي الإيطالي جوليان شنابل والذي يتحدث عن الصحافية الفلسطينية رلى جبريل. وذكرت العريضة أن بطلة الفيلم نشطت ضد إسرائيل وأن الفيلم يصور جنود الجيش الإسرائيلي ككارهين للبشر. ومن المفارقة أن العريضة أوضحت أن هدفها دعوة الناس لعدم مشاهدة الفيلم ولا تهدف إلى منع توزيع الفيلم لان هذا الطلب ذلك يتعارض مع حرية التعبير!

لقراءة المقال كاملًا بصيغة pdf اضغطوا هنا

جميع الحقوق محفوظة © 2024