رجل بلا موبايل يقاوم احتلال التكنولوجيا
تيماء كيون

(الصورة من IMDb)

يتناول فيلم "رجل بلا موبايل" للمخرج سامح زعبي واقع أهالي قرية فلسطينية تقع داخل الخط الأخضر، حيث تتجلى المشكلة في بدايته عندما يظهر برج اتصالات (هوائية) في وسط الأراضي الزراعية التابعة لأهل البلدة مما يؤدي الى استياء المزارع سالم واعتراضه على ما يعتبره اعتداء على أرضه وتهديد لصحته، ويقوم بدوره بالبحث عن الأسباب لاختيار هذا المكان بالذات لنصب  الهوائية ويحاول ايضا تشجيع المزارعين وأهالي البلد بالاحتجاج على هذا القرار.

العلاقات تحت الاحتلال

يظهر الفيلم فرق التفكير بين الأجيال، مثال سالم وابنه جودت، حيث يذهب الآخر لعمله في البناء مرتديا زي رسمي، ونرى كيف انه متأثر من عادات الاسرائيليين فهو لا يمانع الانضمام إلى حفل تنكري خاص بمجموعة المدافعين عن البيئة "الخُضُر"، لكي تسنح له الفرصة بالتعرف على المزيد من الشابات، بينما يزعم أبيه أن استخدام الموبايل يؤدي للسرطان، ويغضب عندما يتم تأجير أراضي مجاورة لأرضه لنصب الهوائية. بالاضافة الى ان جودت يرفض العمل مع والده يوم السبت الذي يوبخ أهل البيت قائلا "شو؟ كلكو صرتو يهود؟"، فمن الواضح أنه يوجد صراع بين الأب المتجذر في أرضه، والشاب التائه والبعيد عن أصله.

وبالرغم من أن علاقات جودت المتعددة تترك انطباعا ساخرا وكوميديا عنه إلا أنه من المهم ان نلاحظ عدم تأثر جودت بالتسميات الاسرائيلية الدخيلة التي تحاول أن تزيد الشرخ بين فئات المجتمع الفلسطيني المختلفة، فهو لا يرى الفرق بينه وبين شابة مسيحية، ولا يرى عوائق قد تمنع زواجهما، وكذلك الأمر مع علاقته بفتاة من رام الله، التي تعتبر خارج حدود دولة إسرائيل. على العكس، فإن لحظة اعتقاله وتخويفه على خلفية علاقته بهذه الفتاة، شكلت اللحظة الانتقالية التي يقرر فيها الشاب الانضمام الى صف ابيه في الاحتجاج على بناء الهوائية ووضع حد لتمادي السلطة المتكرر على ابسط حقوقه.

مقاومة فلسطينيي الداخل

يحتوي الفيلم على عدة مشاهدة من شأنها تسليط الضوء على أن حياة فلسطينيي الداخل فيها نوع آخر من المقاومة، فيجبر السكان على تعلم واستخدام اللغة العبرية، ولا يمكن الانضمام الى صفوف الطلاب الأكاديميين دون عبور امتحان اللغة العبرية، وفي ذات الوقت نرى أهمية التعليم العالي في رغبة الأهل الملحة والجملة المتكررة "فكرك بدهن اياك متعلم"، حيث يعتبر المتعلم والمثقف شخصا واثقا لا يمكنه ان يخضع بسهولة، وشخص يعي ان لديه حقوق وعليه المطالبة بها. وربما يعتبر جودت رسوبه في الامتحان نوعا من التمرد، حيث من الواضح لنا انه يتقن اللغة ويتدبر أموره بنفسه، لكنه لا يعتبرها ذات اهمية كافية لكي ينجح في الامتحان.

وبعد تحول جودت واختياره الطرف المقاوم، يبدأ بعدة مبادرات من شأنها زيادة وعي أهل القرية بمشكلة وجود برج الاتصالات بين أراضيهم الزراعية وعدم وجودها على أراضي المستوطنات اليهودية المجاورة، ويستقطب بحنكته فئات قريته المختلفة، من كبار السن والشباب الهاربين الى كروم الزيتون ليتمكنوا من شرب البيرة. حينها يقوم سكان القرية بتنظيم احتجاج على الأرض الزراعية، وهو أشبه باحتفال، متطلعين إلى عملية هدم الهوائية، فيتضح لهم أن الشرطة وقوات مسلحة قد تجمعت بهدف الدفاع عن هذه الهوائية وزيادة الرقابة عليها لا أكثر.

الدخيل

يرمز المخرج إلى الاحتلال كدخيل في حياة الفلسطينيين داخل حدود الخط الأخضر في عدة أشكال، فنرى الجنود على محطات المواصلات كمظهر اعتيادي في الخلفية، ونرى تأهبهم فور سماع جودت يتحدث بلغته الأم، وأحيانا يكون الدخيل جزء من المجتمع وعلى شكل رجل شرطة محلية يسيء استخدام سلطته حيث يقوم بملاحقة الشباب ويضايق من يبدي إعجابه بأخته.

غير ان السلطات الامنية للاحتلال تسمح لنفسها بالتدخل وحتى خرق خصوصيات المواطنين وتهديدهم بزعم أن محادثاتهم الهاتفية تشكل تهديد امني وعليهم الكف عنها فورا. كل هذا ما هو الا شكل من اشكال فرض الهيمنة عن طريق استعراض القوة والعربدة التي من شأنها كسر عزيمة الأقلية على الأراضي المحتلة.

لكن الممتع في الأمر أن محاولات الاستفزاز المختلفة للدخيل لم تستطع كسر إرادة جودت، فهو لا يكترث لجندي شاب يحملق به في الحافلة ولا لشرطي يحاول ردعه عن خططه العاطفية، بل كل هذا زاد من عزيمته وثقته بنفسه وبطريقه. 

يكتفي سالم وجودت بربح معركة صغيرة ضد الهوائية، حيث يطال القوات القائمة على حراسته ماء الخراطيم المستعملة لري  الأراضي الزراعية، فيحاولون الهرب منها بطريقة طفولية نوعا ما، مما يضحك الأب وابنه ويرضيهم عن نتيجة المعركة لأنهم على دراية تامة انها لن تكون الاولى ولا الاخيرة تحت الاحتلال. 

(تمت كتابة هذا المقال ضمن ورشة كتابة مقال النقد السينمائي)

جميع الحقوق محفوظة © 2024