نهاية سعيدة.. اليابانيون أقل مثالية مما نعتقد
نتالي الزيناتي

(الصورة من الفيلم)

كيف يتعامل الشعب الياباني المنضبط مع كاميرات المراقبة وسلطة الرقابة كأداة تدعي أنها هنا للحفاظ على الأمن والأمان؟ هذا ما يحاول المخرج نيو سورا مواجهته في فيلم " HappyEnd".

 

يتتبع الفيلم الدرامي حياة خمسة أصدقاء طلاب في المرحلة الثانوية ويعرض لنا تخبطات كدنا نظن أن الشعب الياباني لا يعاني منها، ففي واقع ياباني جيولوجي مليء بالهزات الأرضية اعتاد عليها السكان هناك شيء آخر يهدد حياتهم واستقرارهم. لا حاجة لكوارث وأزمات خارقة فالرعب الحقيقي يكمن في التغييرات والتقييدات الصغيرة التي لا نعترض عليها أو لا نعيرها أي أهمية ليأتي طلاب المدارس، الجيل الشاب ويعترض على تحديد حريته وحركته فيولد الصدام.

 

وعلى الرغم من إيقاع الفيلم البطيء والهدوء النسبي إلا أنه يتناول موضوع الصداقة، والتمرد، والثورة ومواجهة دولة المراقبة. فالعناوين الرئيسية عند افتتاح الفيلم تشير إلى "الأنظمة التي تُعرّف الناس تنهار في اليابان" وكأن المخرج يحاول اقناعنا بأنه يتحدث عن المستقبل البعيد الذي يبدو مع تقدم الفيلم كحاضر واضح وصارخ، عندما يواجه جيل الشباب استبداد المدرسة والدولة ويتمردون على نظام بصورة شبابية عفوية بعض الأحيان مع إصرار واضح، ينعكس ذلك في الشخصيات الخمس التي ترتبط بفعل حب موسيقى التكنو ونشأتهم سويًا، ويسلط الضوء أكثر على  فيوتا (الممثل هايوتو كوريهارا) كاو (الممثل يوكيتو هيداكا) وهما الشخصيتان الرئيسيتان اللتان تحركان القصة ويعتمد الفيلم عليهما بشكل كامل، ويعرض لنا بواسطتهما جانبًا آخر عن اليابان وتعاملها مع غير اليابانيين، ونظرة النظام لهم وتقييدهم بتصريحات تحد حركتهم وتطورهم لا يعترض أحد عليها، ومع ذلك لا تتأثر علاقة الأصدقاء الياباني وغير الياباني من تعامل النظام فنستمتع بمشاهدتهما يلعبان النسخة اليابانية من "حجر ورقة مقص" وتعاملهما الطبيعي مع بعضهما، سواء بالمبيت كلُ في بيت الآخر. ولكن ماذا يحدث عندما ننضج ويتغير بعض اهتماماتنا، هل تتغير علاقتنا بأصدقائنا؟

 

نظام الأخ الأكبر

 

حبَكَ نيو سورا تطوّر القصة بشكل شبه مثالي، فعندما نفذ الطلاب مقلبًا ضد مدير المدرسة وقلبوا سيارته رأسًا على عقب، تعامل المدير (الممثل شيرو سانو) مع الموضوع بغاية الأهمية وحاول معرفة الجناة من خلال تطبيق نظام المراقبة بالكاميرات ونظام التعرف على الوجوه (ما نراه يستخدم بكثرة في بلادنا أيضا وفي غزة والضفة الغربية) ليفرض العقوبات على الطلاب غير المنصاعين للأوامر والقوانين مما يثير غضب الطلاب، بينما يرى الأهل أهمية الرقابة ولا يعترضون على سياسة المدرسة خاصة غير اليابانيين الذين يحملون في دواخلهم آلامًا أخرى.

 

يحافظ الفيلم على التواصل معنا بصريًا وسمعيًا، فعندما تنطلق صفارات إنذار قبيل الهزة الأرضية والتي تستخدم مرارًا كرمز لكيفية "هز" حياتنا دون إنذار، لتكون الإضاءة والخيال لعبته عندما يريد تمرير رسائل مبطنة، تشتد مهارته في الليل أو عند انقطاع الكهرباء ليأتي الحرس المدني إلى الحارات لأداء وظيفة الدولة في حماية المواطنين.

 

نظام العقاب

 

هنالك عدة أسئلة وتخبطات يطرحها علينا نيو، فبين أحلامنا وأهدافنا ورغبتنا في تحديد مسارنا وحركتنا نعاقب على خرق أصغر القوانين بمساعدة كل تقنيات المراقبة المستحدثة، فالعالم الذي يعرضه سوارا يشبه عالمنا الحالي، الهواتف الذكية المحمولة منتشرة بالإضافة لانتشار كاميرات المراقبة، هذا الواقع يجعل الرعب يتغلغل فينا كلما تقدم الفيلم واستوعبنا الواقع نفسه، فنحن مخترقين تمامًا، لا خصوصية ولا حماية عندما نخرج عن المألوف أو عن القانون كما أننا سنعاقب بشدة!

بينما يعترض الجيل الشاب ويحتج نكمل نحن حياتنا منتظرين الكارثة القادمة، نستهلك أكثر مما ينبغي ولا نكترث لاختراق خصوصياتنا ومساحاتنا الشخصية ولا للقيود المفروضة علينا.

استطاع نيو سورا بأسلوبه، بالتصوير النقي المنضبط، وباستخدامه الإضاءة في أسرنا منذ المشهد الأول عند عرضه نقاط باللون الأحمر على خارطة اليابان وكأنه يشير إلى وباء آخذ بالانتشار.

يختتم نيو فيلمه بالنهاية السعيدة والساذجة ربما، انصحكم بمشاهدة فيلمه ليس لأنه فيلم ذو أبعاد خيالية من روعة تصويره أو أداء ممثليه، بل لأنه يمنحكم الفرصة لمشاهدة الشعب الياباني من زاوية أقل مثالية، زاوية بشرية فربما نختلف بحدة الأمور لكننا في نهاية المطاف بشر تحركنا مشاعرنا وتجاربنا في الحياة.

جميع الحقوق محفوظة © 2024