(الصورة من الفيلم)
سماح بصول
في صيف العام الحاليّ 2025 بدأ عرض الفيلم الوثائقيّ "قانون الحَجَرْ" للمخرجة الإسرائيليّة دناي إيلون. دناي، مواليد القدس عام 1970، وهي ابنة الصحافي عاموس إيلون. تتناول إيلون في فيلمها الأحدث موضوع الهندسة المعماريّة في القدس بعد حرب الأيام الستة وكيف ساعدت الحرب في ترسيخ السلطة الإسرائيليّة في المدينة. يأتي الفيلم بشهادات مجموعة من المهندسين المعماريين الذين كانوا ضمن طواقم تخطيط مدينة القدس بعد احتلالها، يقابلهم مؤرخ عمارة وأصوات فلسطينيّة تعكس وجهًا آخر للحجر والتخطيط والبناء.
يبدأ الفيلم بعرض صور محجر تبدو الحجارة فيه وكأنها اصطفاف لشواهد قبور، بيضاء اللون، باهتة، ومن حولها فراغ ترابي كصحراء قاحلة. يغطي الغبار المنبعث من المحجر أشجار زيتونٍ مجاورة، ثم ننتقل لنرى ثقل هذا الحجر حينما يتحوّل كساءً للمباني، فنرى كل شيء مغطى بالحجر المباني والارضيات. هذا الحجر، جميل الشكل، ثقيل الوزن، صعب المراس، يغطي وجه القدس بالكامل، غطاءً عضويًا في بعض أحيائها وغطاءً مفتعلًا في بعضها الآخر.
المعماريون لم يناقشوا النكبة!
تسفي إفرات هو مهندس معماري ومؤرخ عمارة، وهو صوت مغاير في هذا الفيلم، يوضح كيفية تعامل المعماريين الإسرائيليين مع عمليات البناء التي يعتمد جزؤها الأعظم على تغييب الفلسطينيّ: " تم تدمير حيّ المغاربة فور انتهاء الحرب لأن هدمه في هذا الوقت أسهل بكثير، كان هدمًا وحشيًا لإعادة تصميم المدينة. الفكر الصهيونيّ الذي حمله بن غوريون كان يفتقر للمعرفة والثقافة المعماريّة والأثريّة لذا رغب بهدم الأسوار لتصبح البلدة القديمة جزءًا من القدس. مجمّع "ماميلا" كان يمكن أن يكون مشروعًا ممتازًا لولا أنه بنيّ بهدف هدم ما كان هناك. بعد العام 67 بُنيت عشرات الأحياء حول القدس على أراضٍ فلسطينيّة، شارك العشرات من المعماريين في هذا العنف اللّامرئيّ. بعد العام 67 بدأت العمارة تتخذ مواصفات توراتيّة".
أما عن علاقة المهندسين المعماريين بالتاريخ والتساؤلات او النقاش حول المسطحات التي طولبوا بالبناء فوقها فيقول إفرات: "المعماريون الإسرائيليون لم يناقشوا النكبة بتاتًا، لم يناقشوا هدم المباني، ولم يناقشوا كيف وأين تبنى المدن اليهوديّة. لقد تم تغييب هذه القضية ولم يسأل أحد نفسه هل تعلمنا شيء مما حدث. هذا أعنف مشروع قوميّ – الهدم الهائل للمباني".
قبل الفيلم بسنوات، كشف كتاب "احتلال مدنيّ: سياسات العمارة الإسرائيليّة"[1] كيف لعبت الهندسة المعماريّة والتخطيط الحضريّ دوراً مركزياً في المشروع الاستعماريّ، ليس كمسألة معماريّة أو جماليّة، بل كأداة سياسية للسيطرة على الأرض وإقصاء الوجود الفلسطيني. إن سياسة "إعادة تشكيل" المكان ليكون خاضعًا بالكامل للسيطرة الإسرائيليّة لا يعني بناء المستوطنات فقط، فالطرق الالتفافية، واقتلاع أشجار الزيتون، وتحويل القرى المهجرة إلى متنزهات، ومحاولات محو ما تبقى من الوجود الفلسطيني تصب في نفس الهدف.
يكشف الكتاب كما الفيلم عن تورط المعماريين ومخططي المدن في المشروع السياسيّ، إذ شاركوا بشكل فعّال في تكريس الاحتلال عبر مشاريعهم. لكنهم – كما حاول بعضهم في الفيلم- يحاولون تفسير ما فعلوه وكأنه مجرد تنفيذ لطلبات الحكومة ووزاراتها، لكن النتائج على أرض تكسر صورة الهندسة المعماريّة الحيادية. ان المواقف المناهضة والأصوات المعارضة لدور المعماريين في مشروع الاحتلال تبقى ذات أهمية معرفيّة وبحثيّة لكنها – كما يبدو على الأرض- لا تستطيع وقف التمدد الاستيطاني ونهش ما تبقى من الأرض.
لقراءة المقال كاملًأ على موقع مركز "مدار" - اضغطوا هنا
[1] Segal, Rafi & Eyal Weizman (editors): A Civilian Occupation: The Politics of Israeli Architecture. Babel and Verso, Tel Aviv\ New York, 2003.