DayTrip: بطولات إسرائيلية في افغانستان
سماح بصول

(الصورة من موقع IMDP)

عرض الفيلم الوثائقي DAYTRiP للمخرجة الإسرائيلية روني أبو العافية في مهرجان دوك أفيف للأفلام الوثائقية 2025. تدور أحداث الفيلم في أفغانستان بعد أغسطس/آب 2021، أي بعد عشرين سنة من تعزيز حقوق المرأة، في الوقت الذي تنسحب في القوات الدولية من أفغانستان تسيطر حركة طالبان بسرعة على البلاد وتبدأ بتطبيق الشريعة الإسلامية حسب رؤية الحركة. قبل هذه الحقبة كانت هناك نساء في مناصب قيادية، وكنّ رمزًا للتقدم، لكن انتقال البلاد لحكم طالبان أصبحن مطلوبات.

لعل أبرز هؤلاء النساء المطلوبات هي هناء، أول قاضية في منطقتها، تقرر الهرب إلى كابول أملًا في التمكن من مغادرة البلاد، خاصة وأن ملاحقتها لا تتم على يد الحركة فقط، بل على يد السجناء الذين تم تحريرهم وكانت هي من أصدرت الحكم عليهم. أما غول، فهي ضابطة شرطة، وشكيبة مغنية شابة مشهورة تحاول الاختباء في منزل آمن، وفاطمة رياضية بطلة ركوب الدراجات الهوائية التي كانت جزءًا من منتخب بلادها فعالقة في منزلها. كل هؤلاء النساء ومئات أخريات يبحثن عن أي طريقة للنجاة، نساء يائسات وخائفات يرسلن نداءات استغاثة لكل جهة يمكن أن تكون القشة الأخيرة بالنسبة لهن. هنا يدخل الإسرائيليون على الخط!

دانا هيرمان هي صحفية إسرائيلية أمريكية كانت تكتب في نيويورك تايمز، ذات يوم، قرر المحرر إرسالها إلى أفغانستان لكتابة تقرير عن مجموعة من النساء الشابات الناجحات في عالم الهاتيك، بعد اعداد التقرير نشأت علاقة بين دانا وعدد من النساء اللواتي ذكرن في المقال. عندما سيطرت طالبان على البلاد وانتشرت الجماعات التي رغبت في تطبيق أحكام ميدانية على السعب، بدأت دانا تتلقى مئات الرسائل من النساء الأفغانيات اللواتي كتبت عنهن سابقًا طالبات منها مساعدتهن للفرار من بلدهن.

صممت دانا على مساعدة هؤلاء النساء رغم قلة خبرتها، وبدأت تحشد مجموعة من الأصدقاء والزملاء والناشطين والذين رغبوا في مساعداتها، وبعضهم لديهم اتصالات مع صانعي القرار من بلدان مختلفة في العالم، لتنطلق مهمة إنقاذ استثنائية، شملت المجموعة الصحافية دانا، والمخرجة، ومندوب عن منظمة IsraAid، وناشطة أفغانية.

مدة هذا الفيلم لا تتعدى الـ 60 دقيقة، لكنه مكثف، وسريع، ومثير، فيه الكثير من اللقطات التي صورت من أرض الواقع خلال تجول سيارات طالبان وجنودها في الشوارع، وحالة الذعر التي ينشرها هؤلاء في صفوف الناس. بعض اللقطات قد تكون مخيفة صورتها الناجيات بهواتفهن خلال محاولاتهن الاختباء. على الرغم من معرفتنا بأن نهاية الفيلم ستكون سعيدة، إلا أن الإثارة لا تفارق أجواء المشاهدة.

في ظاهر الأمر يبدو الفيلم وثائقيا يعالج قضية إنسانية، لكن اذا أمعنا النظر سنعثر على صورة البطولة الإسرائيلية التي تتكرر في العديد من الوثائقيات الإسرائيلية عندما يصور الفيلم نضالا إنسانيا يشارك فيه إسرائيليون من اجل شعوب أخرى. فيحاول البطل انقاذ الفلسطيني مثلا، او السوداني او الاريتري، أو حتى السوري، وبعضهم يتمنى لو استطاع انقاذ الإيراني من نظام حكم الثورة، لكن عمليات الإنقاذ هذه لا تنظر إلى العمق الإسرائيلي الحافل بالقضايا والمشاكل، لان في البطولة خارج حدود الدولة اعفاء من الصدام.

فهل هو نوع من العمى ام نوع من تفادي الاقتتال الداخلي الهادئ بين الفئات الإسرائيلية المختلفة؟

منظمة " IsraAid " الشريكة الأهم في عملية انقاذ النساء الأفغانيات هي منظمة غير ربحية تأسست في العام 2001 كائتلاف لمجموعة منظمات إسرائيلية عاملة في مجال الإغاثة. وتختص المنظمة في دعم المتضررين من الأزمات الإنسانية، والأعاصير والزلازل والأوبئة والنزوح القسري، عملت في 60 دولة ولديها حوالي 300 موظف حول العالم. تظهر صور الموقع الرسمي للمنظمة أن عملها متكرر في الدول الافريقية.

حضور الممثل عن المنظمة خلال كل الفيلم ودوره البارز في التواصل مع جهات رسمية نافذة كحكومات الدول المجاورة لأفغانستان، وسفارات أفغانستان في الخارج، والتمكن من اصدار جوازات سفر للنازحات، والتواصل مع سفراء ووزراء مختلفين يعطي انطباعا وصورة عن قدرة المنظمة، لكنه يشي أيضًا بأن القضية الفلسطينية والاحتلال ليسا حاضرين، فكيف يمكن لمنظمة نشأت في دولة محتلة أن تقدم المساعدة لمن يعانون من أزمات سياسية في دول أخرى؟ كيف يمكن ان يتسامح المنقذ مع جرائم حكومة بلاده ويخرج لمحاسبة حكومات أخرى على جرائمها؟

يركز هذا الفيلم كثيرا على طبيعة حكم طالبان الإسلامي، ويخلق الشعور بمدى خطورة وتخلف هذا الحكم، وينضم الى مجموعة كبيرة من الأفلام التي تشدد على عرض مخاطر الحركات الجهادية والإسلامية، لكن في السياق الإسرائيلي يصبح لهذا التشديد معنى وبعد آخرين، لان الحركات المتدينة اليهودية تمارس وتفرض احكاما على الحيز العام وعلى النساء كما يفعل الإسلاميون، ففي القدس يتم فصل الرجال عن النساء في الحافلات العمومية، ولدى بعض الفئات اليهودية تغطي النساء اجسادها تماما كما الشادور الإيراني، وفي بعض الاحياء في القدس ومدن أخرى تنصب لافتات كبيرة تطالب النساء الداخلات الى الاحياء بالاحتشام، وفي مسيرة المجتمع المثلي يعتدي يهودي متدين على المسيرة ويقتل احدى المشاركات طعنا، كما ان حركة المواصلات العامة تتعطل تماما من اجل حرمة السبت، وكذا في يوم الغفران بما في ذلك منع سير السيارات على الشوارع. ناهيك عن ممارسات شبيبة التلال والمجموعات الرعوية ذد الفلسطينيين والذين تبنى ممارساتهم العنيفة على الايمان بملكيتهم الحصرية على الأرض.

لا يمكن مشاهدة الفيلم بمعزل عن الواقع الإسرائيلي وان رغبت المخرجة في حصر الموضوع بقصة إنسانية مثيرة. ان الحديث بالعبرية بين افراد المجموعة لا يترك للمشاهد مجالا الا للتفكير في السياق الاوسع ومحاولة فهم هذا الهروب من قبعة المجرم الى قبعة المنقذ!

 

جميع الحقوق محفوظة © 2025