باسم من ينطق "نُطُق"؟
قطف مراد -سلامة

 (الصورة من المسلسل)

بالنسبة للمشاهد الدرزي، فإن السؤال الرئيسي الذي يطرحه مسلسل "نُطُق" للمخرج آدم سندرسون، الذي يعرض على قناة "كيشت"، هو: هل يُمثل المسلسل المجتمع الدرزي في إسرائيل؟ أما بالنسبة للجمهور غير الدرزي، فالأسئلة مختلفة: إلى أي مدى يثير هذا المسلس الاهتمام؟ إلى أي مدى يثير الفضول تجاه المجتمع الدرزي؟ إلى أي مدى تعرّف على حياة الدروز في إسرائيل.

أود أن أضيف إلى هذه الأسئلة سلسلة أخرى من الأسئلة من عوالم بحث تمثيل الفئات في الإعلام، في أي مكان تقع الأقلية بالنسبة للأغلبية؟ هل في مكانها إقصاء، أم سخرية، أم احتواء؟ إلى أي مدى تُقدم الشخصيات بطريقة معقدة؟ إلى أي مدى يبتعد تمثيل الدروز عن الصور النمطية التي نصادفها في البرامج الساخرة، وحتى في الأخبار؟

تُفسّر التساؤلات ثغرات تقييمات المسلسل، خارج المجتمع الدرزي، يحصل المسلسل على تقييمات جيدة، بل وممتازة، أما داخله، فثارت عاصفة!

في الشهر الماضي، تم انتاج عمليّن درامييّن يتناولان موضع تناسخ الأرواح في المجتمع الدرزي - المسلسل التلفزيوني "نُطُق"، والفيلم الروائي "آنو" إخراج ميا حطاب - حزّاز. يتشابه العملان كثيرًا، كلاهما روائيّ، يتناول المجتمع الدرزي، إنتاج ممتاز، وفي قلب حبكتهما موضوع التناسخ.

"نُطُق" هو أول مسلسل روائي طويل يتناول المجتمع الدرزي، يُعرض في ساعات الذروة؛ إنتاجه رائع من حيث الإعداد، والتصوير، والصوت، وطاقم الممثلين، إنتاج يحترم المشاهد. أثار عرض المسلسل ضجة في المجتمع الدرزي. وفي غضون يومين، اندلعت موجة من الانتقادات التي نادت لتغيير المسلسل وتصحيحه، بل وحتى حذفه.

 

وأنا أقترح قراءة أكثر تعقيدًا!

يقدم مسلسل "نُطُق" (2025)، ولأول مرة على الشاشة الإسرائيلية، طيفًا واسعًا من الشخصيات، من حيث الجندر والقومية والعلاقات الأسرية والعلاقات مع الآخر اليهودي. ولأول مرة، ندخل غرفة معيشة الأغلبية اليهودية، وهي في الواقع الجمهور المستهدف الرئيسي للمسلسل. الشخصيات الدرزية غير ثنائية، لا على المحور الجندري، ولا على المحور الديني، ولا حتى على المحور القومي. ولأول مرة، يُمنح صانعو الأفلام الدروز الشباب فرصة الظهور في أدوار مهمة، في مسلسل يحظى باستثمار جيد ويعرض على قناة رئيسية، كل من كاتب السيناريو نهد بشير والممثل الرئيسي أمجد بدر.

تُقدّم عائلة ذات علاقاتٍ مُعقّدة بين الأب والابن، الأب الثاكل الذي يُمثّل الدرزي "الإسرائيلي"، لديه مسيرة عسكريةٍ فخمةً، ويفضّل دمج أبنائه في المؤسسة العسكرية، والابن، خريج معهد التخنيون الذي يُعارض والده ويتحدّى سلطته التي جعلته يفضل مسيرته العسكريّة على العائلة، رافضاً الاعتماد على علاقات والده واتّباع المسار الذي رسمه له. تُقدّم مشاهد حوارية ممتازة بين الاثنين تُظهر لأول مرة خطاباً أكثر تعقيداً في المجتمع الدرزي، يسعى إلى جمع أصواتٍ مُختلفةٍ للتأثير على قضايا حارقة في المجتمع الدرزي والمجتمع الإسرائيلي عموماً، مثل الثمن الذي تدفعه العائلات مقابل اندماج الوالد في المسار العسكري.

هناك أيضًا تمثيل جديد، أقل نمطية للشخصيات الدرزية مقابل اليهود. يُصوَّر الدروز كأشخاص منغمسين في الحياة الإسرائيلية، ولغتهم العبرية لا تقل بمستواها عن عبرية اليهود، طموحين مهنيًا، لا يسعون لإرضاء اليهود، ولا يتقنون اللغة العبرية ببراعة فقط، بل ما وراء اللغة من الثقافة، والسخرية وغيرها. يُصوَّر الدروز كأشخاص مرحين وواثقين بأنفسهم، وهم لا يختلفون عن أي عائلة "إسرائيلية".

في السياق الجندري، يُقدّم المسلسل صورةً مختلفةً ومعقدةً وعميقةً. الزوجان الرئيسيان في المسلسل، أم طبيبة شابة طموحة، تعمل في المستشفى وتسعى للتخصص؛ والأب، خريج معهد التخنيون، يبحث عن عمل ويرفض اتباع المسار المألوف الذي رسمه له والده. كما أن العلاقة بين الزوجين ليست نمطية، فهي علاقةٌ متساوية؛ لا تقصي اختلاف الآراء، وتتقبل الخلافات، امرأةٌ قويةٌ حاضرةٌ، تُدير حياتها، وتُواجه تحدي التوفيق بين العمل والأسرة. علاقةٌ مثيرةٌ مع والدها المُتدين، الذي يأتي لرعاية ابنها في المنزل ويُعد له طبق الشكشوكة!

أما عن بطل المسلسل الصغير، دانيئيل، فلا حاجة للكتابة، مشاهدته تكفي!

 

"أنو" حضور نسائي بارز

فيلم "آنو"، للمخرجة ميا حطاب حزّاز (2025)، يتميز بتمثيل مختلف. على عكس المسلسل، يتميز الفيلم بحضور نسائي بارز. يروي قصة أربعة أجيال من النساء: جدة تعيش في سوريا؛ وابنتها التي انتقلت إلى الجولان بعد قصة حب وزواج؛ وكنتها - امرأة درزية متعلمة وطموحة، تتعامل بشجاعة مع العمل والأمومة والعلاقات؛ والجيل الرابع - آنو، الطفلة "الناطقة" المصابة بالصرع. في الفيلم، تُقدّم الشخصيات الرئيسية بتركيب ما، ليس تمثيل نمطي آخر للدروز - لا من حيث الجندر ولا الاعتبارات القومية والسياسية - ولا قصص عن الثكل والخدمة العسكرية و"عهد الدم" والتضحية والمجتمع المحافظ، بل حوارات جريئة لشخصيات مثلنا - معقدة ومختلفة - تحمل آراءً متنوعة حول كل قضية تقريبًا. لقد نجح الفيلم في تقديم تمثيل مبتكر وغير نمطي دون الوقوع في فخ الاستفزازات!

 

ما الذي يثير انفعالنا نحن المشاهدين الدروز تجاه المسلسل؟

ينفعل اليسار الدرزي بسبب الخطاب العسكري السائد في العائلة، والأب صاحب المسيرة العسكرية، والابن الذي غادر جبهة غزة ويخدم في الجيش على الجبهة اللبنانية، والانشغال بالرتب العسكرية، والابن الذي قتل خلال الخدمة العسكرية قبل عشر سنوات، بالإضافة إلى اللغة العبرية السائدة في المسلسل.

ينفعل الدروز التقليديون بسبب مشاهد أخرى، كاحتفالات العائلة ورفع النخب (حتى مع وضوح شرب الرجال للنبيذ وشرب النساء للماء!)، والزوج الذي يُقدّم لزوجته سيجارة (فترفض)، والابن الجندي الذي يدعو حبيبته اليهودية إلى عطلة نهاية الأسبوع العائلية.

هل تُمثل هذه المشاهد الأغلبية الدرزية، حتما لا. هل تمس بالدروز الذين يُشاهدون المسلسل؟ طبعا نعم. هل هي ضرورية؟ لست متأكدة، بالتأكيد ليست جميعها. هل يُبرر هذا النقد اللاذع للمسلسل؟ بالتأكيد لا.

هذا مسلسل روائي طويل، وليس وثائقيًا (مع أن الفيلم الوثائقي لا يُفترض أن يُمثل المجتمع بأكمله أيضًا). هل يُفترض أن يُمثل المجتمع؟ هل كل مُبدع مُلزم بإشراك الأصوات والشخصيات السائدة والمتفق عليها؟ هل يجب قياس مدى الإجماع حول كل مشهد ثم تضمينه في النص؟ بالتأكيد لا!

للفيلم الروائي خصائص واعتبارات أخرى: من هو الجمهور المُستهدف؟ ما هي الحبكة الرئيسية؟ ما الذي يُحاول أن يقوله للعالم؟ هل يُريد ترسيخ الصور النمطية أم كسرها؟ بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتبارات تتعلق بالتكاليف، والإنتاج، والأرباح المتوقعة، والقدرة على تقديم قصة غير مألوفة، وغيرها.

طريق شائكة.. من العروس السورية الى عرباني

طالما لم يعتد مجتمعٌ ما على رؤية نفسه على الشاشة، ازداد ميله لاعتبار كل عملٍ وثائقيًا، وهذا أمرٌ مفهوم. فالدرزي العادي الذي يشاهد نفسه على الشاشة يتوقع أن يُمثله العمل، ويُبرز جوانبه الإيجابية؛ ويتخيل نفسه البطل، وأن الأم في الفيلم ستشبه أمه. وينطبق الأمر نفسه على تصميم المنزل، والطبخ، وعلاقات القوة داخل الأسرة، والمواقف السياسية، وبالتأكيد العلاقات مع "الآخر" اليهودي. لهذا السبب، تعرّضت العديد من الأفلام الروائية التي أُنتجت سابقًا عن المجتمع الدرزي لانتقاداتٍ سلبية، وبعضها بالكاد عُرض أمام الجمهور. على سبيل المثال، الفيلم الروائي "مكتوب" للمرخج آفي موصل(2004) الذي تناول موضوع تناسخ الأرواح أيضًا، أو فيلم "عرباني" للمخرج عدي عدوان (2014)، الذي تعرّض هو الآخر لانتقاداتٍ لاذعةٍ داخل المجتمع الدرزي.

يعتبر فيلم "العروس السورية" للمخرج عيران ريكليس (2004) أول فيلم روائي طويل تناول المجتمع الدرزي وحقق انتشارًا واسعًا وحظي بتقييمات ممتازة خارج المجتمع الدرزي، بينما واجه انتقادات لاذعة داخله. في العرض الذي أقمناه آنذاك لطلاب تخصص الاعلام، وُجهت انتقادات تجاه شخصية الفتاة التي تُدخّن سيجارة، والابن الذي يأتي إلى مجدل شمس برفقة زوجته الروسية. قال المخرج إنه خلال عرض الفيلم، اقترب منه رجل وقال إنه لا يفهم لماذا يُظهر ابنته وهي تدخن سيجارة، وزوجته "تخلع ملابسها" أمام الكاميرا. لم يُزعج الجمهور كون الفيلم روائيًا. ادّعى بعض المشاهدين الدروز أنه مُقتبس عن قصة حقيقية، بينما اعتبره آخرون مُمثلًا لهم، بغض النظر عن كونه مُقتبسًا عن قصة حقيقية.

هل كان بإمكان المبدعين تقديم عمل درزي شعبي يعكس الواقع؟ بالطبع كان بإمكانهم. لكن لو فعلوا ذلك لما حظي بهذا الكم من المشاركات، لأننا كنا سنحصل على إنتاج رخيص، وممثلين غير مؤهلين، ونص ضعيف جدًا، وعمل لا يحترم جمهوره. لكان قد وُضع في الأدراج فورًا، كغيره من الأعمال التي لا تعرفونها ولم تحظَ بمتابعة واسعة.

جميع الحقوق محفوظة © 2025