مرحبا دولة، مرحبتين شعوبنا
نتالي الزيناتي

(الصورة من المسلسل)

 

يحظى مسلسل "مرحبا دولة" بشعبية واسعة، وهو كوميديا لبنانية ساخرة، ناقدة، مميزة ومختلفة مليئة بالمشاهد الخفيفة والقصيرة، تلعب على أوتار الطائفية اللبنانية وتتحلى ببساطة الأسلوب والمباشرة في ظل تعطش الجمهور العربي لبرامج كوميدية تحاكي وضعنا الاجتماعي والسياسي، مستخدمة الكوميديا كأداة إضافية للنقد. وكما يليق ببرامج من هذا النوع فهي تتمتع بموسيقى تميزها عن أي عمل آخر، فهل بعد النجاح الساحق سنشهد المزيد من المواسم والإبداع أم أنه ترند عابر؟

استطاع السيتكوم اللبناني تحقيق نجاح غير اعتيادي، وتفوق بعدد المشاهدات على جميع المنصات على برامج عربية ناجحة أخرى، طابعًا اسمه ومصطلحاته في أذهان المشاهدين، في فترة تفتقر للكوميديا الناقدة، بعد ان عرف العالم العربي أسماء عظيمة مثل محمد الماغوط (كاسك يا وطن، ضيعة تشرين، غربة، شقائق النعمان)، التي تجيد نقل الأوضاع الاجتماعية والسياسية بأسلوب مغاير، ولاذع.

وربما هنا يكمن السحر والسر، نحن بحاجة ماسة لنروي عطشنا، عطش لفن يعبّر عمّا في داخلنا، وإطلاق حديث يدور أحيانا في حلقات خاصة بين الأصدقاء والعائلة. يعيش الناس في العالم العربي ظروفًا متشابهة أبطالها الفساد، وانعدام حرية التعبير عن الرأي، والرشاوى، وغيرها، ويأتينا "مرحبا دولة" ليعرض كل هذه الأمور من خلال السخرية من النزعات والتركيبة الطائفية في لبنان.

هل أبدع الدايخ ام أعاد تدوير نجاحات سابقة؟

محمد الدايخ هو كاتب السيناريو، والمخرج وأحد الممثلين الرئيسين في "مرحبا دولة"، وهي تذكرنا بسلسلة "بقعة ضوء" السورية الشهيرة التي اعتمدت على مشاهد قصيرة غير متصلة فيما بينها، عاكسة الواقع الاجتماعي السياسي السوري بنكهة كوميدية وهو ما يفعله محمد الدايخ مع قصة خيالية أبطالها عناصر الأمن تظهر العلاقة بين الأمن والدولة والمواطنين.

علينا ان نعي ان "مرحبا دولة" ليس العمل الاول لمحمد الدايخ وطاقم الممثلين، حسين قاووق، وحسين الدايخ، فقد سبق لهم التعاون في "طلع ابليس بحب الله" و "حادث أمني صعب"، وقد أثبت الثلاثي وهم اولاد الضاحية الجنوبية، قدرتهم على الابداع وعرض الواقع اللبناني بقالب كوميدي.

تدور احداث البرنامج في مكان متخيّل، الشخصيات عناصر أمن، الريس عاطف (محمد الدايخ) هو مدير "الدولة" وعناصره بدري (حسين قاووق)، زهير (حسين الدايخ)، عبير (شيرين الحاج)، فاروق (محمد عبدو)، بيضون (مهدي الدايخ) ومرزوق (ذو الفقار ياسين) يتعاملون مع السكان ويحفظون الامن.


هل خاطرت LBC؟

تبنت قناة LBC مشروع الدايخ وقامت بعرضه على قنواتها ومنصاتها، وما زاد طرافة الأمر، كما يتداوله البعض، هو عرض عمل يعتمد على التركيبة الطائفية في لبنان على قناة مسيحية، والدايخ وطاقم الممثلين معه من الشيعة!

تحصد القناة نجاح البرنامج وتبنيها لمشروع شبابي يسلط الأضواء على مشاكل مهمة للشعب اللبناني، وقد صرحت ادارة القناة أنّ "مرحبا دولة" ليست مغامرة، بل تعبير عن إيمانها بقدرات شبابية واعدة. فالفريق سبق أن أثبت نجاحه في المسرح، وعرض اعماله على LBC ساعد على زيادة متابعيها.

الكوميديا السوداء فن يتقنه قلائل، يتمتعون بأسلوب إبداعي يمزج بين التجارب الشخصية والعامة، ناقلين قدرتهم على مشاهدة الصورة الاكبر والأوسع للأحداث، تقدم بنكهة فكاهية لكنها مؤلمة، وتتعزز هذه الموهبة مع القدرة على لدغ الشخصيات التي يتم تناولها واثارة حفيظتها او وضع مرآة امامها لترى عيوبها.

استطاع محمد الدايخ أن يصوب سهامه نحونا، ساخرًا من عنصريتنا، طائفيتنا، فسادنا وعدم قدرتنا على تقبل النقد حتى لو كان بناءً.

تزامن بدء عرض المسلسل مع العدوان على غزة وعلى لبنان، ليشكل الجزء الثاني الذي تم عرضه في 2025 نقطة تحول تكتسح المنصات، والبعض يقول ان الفضل يعود لحلقة "مصر" - عندما استيقظ العناصر وهم يتحدثون اللهجة المصرية، مع كل ما تحمله هذه "النهفة" من معاني عميقة.

بالنسبة لي، كان تواصلي مع البرنامج تلقائي وعفوي لشعوري بصدقه وبساطته، فهو لا يلون الواقع ولا يجمله، يعرضه بطرافة وخفة دم ان احسنت التعبير، يعود الفضل للحلقة الخامسة من الجزء الثاني والتي انتشرت منها مقتطفات لجوزيف زيتونة بدور "أبونا".

أتقن محمد الدايخ كتابة الشخصيات بشكل رهيب، وقامت الشخصيات الثانوية بوظيفتها كما يجب، داعمة لسردية وحبكة المسلسل.

لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورًا أساسيًا في نجاح البرنامج بنظري، مدركة اهميتها للوصول لشريحة أكبر واوسع فوجدنا انفسنا نتعاطف، نضحك وربما ننبهر من تشابه المواقف اليومية والبسيطة، تعرض "مرحبا دولة" طائفية لبنان فنتعاطف جميعا، ونراجع وضعنا.

جاء عرض حلقة "مصر" فشعرنا بالحنين للزمن الجميل، وأدركنا أن العالم العربي بأجمعه ترعرع وكبر على المسلسلات والافلام المصرية، وبين ناقد ومعجب نجد ان "مرحبا دولة" تمثلنا بخلاف اطيافنا، قومياتنا وأماكن سكننا.

جميع الحقوق محفوظة © 2025