مُفاسا.. أسدٌ بين الإرث والتجديد
لؤي وتد

الكاتب: لؤي وتد

"Mufasa: The Lion King" هو بادئة (Prequel)‏ لفيلم ديزني الكلاسيكي المحبوب "الأسد الملك"، أخرجه باري جينكينز، ويتناول قصة نشأة مُفاسا، الملك النبيل الذي شكّل إرثه ملامح "أرض العزة". يركز الفيلم على رحلة مُفاسا من بدايات متواضعة حتى تحوّله إلى قائدٍ يتميّز بالحكمة والشجاعة والتعاطف مع كافة الكائنات.

دخلت قاعة عرض الفيلم وأنا مليء بالشكوك والتخوّفات. حتى أنني أخبرت أصدقائي أنني ذاهب فقط لصقل أدواتي للتعبير عن إحباطي منه، خاصةَ أني كنت مستاءً جدًا بعد مشاهدة الإعلان التشويقي له. يتضّح من خلال الإعلان أن مُفاسا وسكار (الأسد الشرير الطامع بالسلطة) ليسا شقيقين، وهو ما يتعارض مع القصة التي نعرفها جميعًا – ليس  من الفيلم الأصلي فقط، بل أيضًا من سلسلة الكتب The Lion King: Six New Adventures، وخاصة الكتاب A Tale of Two Brothers، الذي قدّمهما في القصة كأخوة. بالنسبة لي، وللعديد من القراء المعجبين، كانت هذه السلسلة من الكتب تُعتبر جزءًا داعمًا للقاعدة السردية (Canon) الخاصة بالفيلم الأصلي.

سيمبا بطل طفولتي

لم تكن هذه هي الأسباب الوحيدة التي جعلتني متخوّفًا ومستعدًا للإحباط. كان قلقي الأساسي نابعًا من امتعاضي الشديد لنسخة "الأسد الملك" الواقعية التي صدرت عام 2019. عانى فيلم 2019 من مشاكل كبيرة، وخاصة في تصميم الشخصيات – حيث جُردت الشخصيات من المشاعر التعبيرية وتفاصيل الوجه التي نقلها فيلم الرسوم المتحركة الأصلي بشكل رهيب. شعرت أنني فقدت سيمبا الغاضب، الحزين، الباكي، والمبتهج الذي كان جزءًا أساسيًا من طفولتي. كان فيلم الرسوم المتحركة من عام 1994 حجر زاوية مفصلي في نشأتي، كما لو انه نصًا مقدسًا، ورؤية إعادة استخدامه لِما بدا وكأنه إعادة إنتاج مدفوعة بالتسويق أزعجني بشدة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من سقف توقعاتي المنخفض، فوجئت بشكل إيجابي. فقد بذل الفيلم المزيد من الجهد في تعابير وجوه الشخصيات، مما منحها حياة أكثر مقارنة بنسخة 2019. لكن هذا لم يكن السبب الذي جعل الفيلم أفضل برأيي – لأن تحسين التصميم وحده لم يكن كافيًا. ما جعل هذا الفيلم يبرز حقًا هو القصة، لقد تمكنوا من إقناعي بأن هذه هي القصة الحقيقية لمُفاسا، والتي تتفوق على النسخة الواردة في الكتب حول مُفاسا وسكار. وقعت في حب الشخصيات من جديد. لقد أثرت القصة فيّ بعمق!

حين فقد مُفاسا عائلته

تبدأ قصةMufasa: The Lion King  بمشهد قوي ومؤثر حين  يفقد مُفاسا الصغير عائلته وينجرف مع التيار في نهر – لحظة تذكرنا بشكل غريب ومؤلم بموته التراجيدي في الفيلم الأصلي. يُحدد هذا المشهد المليء بالتوتر والحزن نغمة الفيلم، كاشفًا عن صدمة طفولة كبيرة تشكل شخصيته. بعد أن ينجرف بعيدًا، يجد مُفاسا نفسه في كنف قطيع جديد من الأسود، حيث يلتقي بالأمير الشاب تاكا – الذي سيصبح لاحقًا سكار الشهير. يُصوَّر هذا القطيع على أنه مقسم بشكل كبير من حيث الأدوار الجندرية، مما يعكس سلوك الأسود في الطبيعة: الذكور يستريحون تحت الأشجار المظللة، بينما تتحمل الإناث مسؤولية الصيد. يكبر مُفاسا بجانب اللبوات، ويتدرب ليصبح صيادًا بنفسه. أما تاكا، فيظهر منذ صغره كأسد مليء بالخوف والجبن، وغالبًا ما يتغلب جُبنه عليه مما يؤدي إلى خيبة أمل عائلته وأقرانه بشكل متكرر.

مع تقدم القصة، يعرض الفيلم مجموعة عنيفة ومخيفة تشكّل قطيعًا من الأسود البيضاء بقيادة كيروس القاسي والقوي. يطارد هذا القطيع المرعب مفاسا وتاكا بلا هوادة، مما يدفعهما إلى رحلة خطيرة نحو "أرض العزة". تضع المواجهات المروعة مع كيروس وقطيعه الأساس لقصة ملحمية عن البقاء والشجاعة، والأحداث التي تشكل في النهاية رحلة مُفاسا نحو القيادة والإرث.

يبذل الفيلم جهدًا واضحًا لإعادة خلق السحر الموسيقي لفيلم "الأسد الملك" الأصلي، لكن للأسف، معظم الأغاني لا ترقى إلى هذا المستوى. الاستثناء البارز هو أغنية "Bye Bye"، وهي نشيد إيقاعي ومخيف يؤديه كيروس، الذي يبرز كواحد من أفضل عناصر الموسيقى التصويرية. ان المحاولة لتكرار الأصل لا تقتصر على الموسيقى؛ إذ تشير عدة مشاهد بشكل متعمد إلى لحظات أيقونية من فيلم العام 1994. فعلى سبيل المثال، يتم إعادة تخيل مشهد التدافع القاتل لأبقار النّو الذي أودى بحياة مُفاسا في الفيلم الأصلي كتدافع أفيال فوضوي، كما أن إنقاذ سكار (تاكا حينها) لمُفاسا بسحبه لأعلى يُظهر توازيًا بصريًا مع مشهد الخيانة الشهير الذي يقتله فيه. ومع ذلك، فإن استكشاف الفيلم لصدمة الطفولة التي عاشها مُفاسا يتميز كتشابه معنوي مع رحلة سيمبا العاطفية في الفيلم الأصلي. كما استكشف الفيلم الأول صدمة فقدان الأب والعائلة، فإن تركيز هذا الفيلم على معاناة مفاسا المبكرة يحافظ على العمق النفسي الذي جعل "الأسد الملك" فيلمًا مفصليًا بهذا المضمار.

تيمون وبومبا.. تفصيل تسويقي

إحدى القضايا البارزة والمخيّبة للظن في الفيلم هي الإطار السردي الذي اعتمده. تُروى قصة مُفاسا وتاكا من قبل القرد رفيقي لابنة سيمبا، كيارا، بحضور تيمون وبومبا. وعلى الرغم من أن هذا الإطار، وخاصة حضور كيارا،يضيف لمسة من الفكاهة المعتمدة على الحنين والإثارة لمعجبي الجزء الثاني من الفيلم الذي صدر عام 1998 (الأسد الملك II: عهد سمبا)، إلا أنه في النهاية يبدو غير ضروري ولا يضيف قيمة كبيرة للسرد الأساسي. في رأيي، كان بإمكان الفيلم الاستغناء عنه بسهولة. يبدو إدراج تيمون وبومبا كخطوة تسويقية رخيصة لضمان وجودهما في الفيلم، رغم أنهما لا يخدمان القصة بشكل فعلي.

إذاُ، Mufasa: The Lion King هو عمل ذو جوانب إيجابية وسلبية. فبينما يقدم قصة مؤثرة عاطفيًا تعمق فهمنا لشخصية محبوبة، إلا أنه يخفق في محاولة إعادة خلق سحر الفيلم الأصلي، سواء من خلال الأغاني أو اعتماده المفرط على الحنين. الخيارات السردية، بما في ذلك استكشاف حياة مفاسا المبكرة وعلاقته مع تاكا، تقدم رؤى جديدة وجذابة، لكن أسلوب الإطار السردي والإشارات القسرية للماضي يخففان من قوة التجربة. على المستوى الشخصي، كنت سأكون أكثر سعادة لو قُدمت هذه القصة كعمل مستقل في الرسوم المتحركة دون الإطار السردي، مما يسمح لرحلة مفاسا بالتألق بمفردها. ورغم عيوبه، ينجح الفيلم في تكريم إرث مُفاسا ويُعتبر إضافة مستحقة لعالم الأسد الملك لكل من المعجبين المخلصين والجماهير الجديدة.

خلاصةً، فأنا أوصي بمشاهدة فيلم Mufasa: The Lion King للأطفال والكبار، من أعمار 7 سنوات وما فوق، نظرًا للمشاهد المكثفة التي تتضمن لحظات خطيرة، ووفيات، وديناميكيات أسرية معقدة. أعتقد أن المشاهدة ستكون ممتعة أكثر لمن كبروا على الأفلام الكلاسيكية، ولكن حتى للجيل الجديد، فالفيلم قادر على أن يكون مستقلًا للمشاهدة. رغم أن العنف في الفيلم خالٍ من الدماء، إلا أنه قد يكون دراميًا ومؤثرًا عاطفيًا، خاصة أثناء لحظات مثل انفصال مُفاسا عن والديه أو المعركة الحاسمة ضد كيروس. يمكن للعائلات التي تشاهد الفيلم مناقشة أهمية التعاون، والتعاطف، وكيف تعكس رحلة مُفاسا قيمة الأسرة المُكتسبة المعتمدة على الصداقة والوفاء وكسب الاحترام من خلال الأفعال. بالإضافة، فإن الصفات المتباينة بين مفاسا وتاكا تُوفّر فرصة رائعة لاستكشاف مقارنة موضوعات الشجاعة، والغيرة، والتضحية بين الأخوة والأصدقاء.

 

*د. لؤي وتد هو باحث في علوم اجتماع أدب وثقافة الأطفال

 

جميع الحقوق محفوظة © 2024