تفضلوا ع العشا بواقع أليم
نتالي الزيناتي


نتالي الزيناتي

 

برنامج "تفضلوا ع العشا" هو  ريالتي  جديد يعتمد على استضافة مجموعة غرباء في بيوت بعضهم البعض على طاولة العشاء ومناقشة بعض الأمور الخاصة والعامة، ابطاله من المجتمع الفلسطيني بالداخل، ويعكس واقع أليم ومستقبل غامض.
بعد مشاهدة أكثر من 10 حلقات بإمكاني  التصريح اننا نعاني من اضطراب معين، فبعد سنة وبضعة أشهر من حرب شرسة على الشعب الفلسطيني في غزة، يحل برنامج "تفضلوا ع العشا" بحلته العربية مجسدا وضع المجتمع وممثلا لأغلب شرائحه حتى المهمشة والمغيبة، عاكسًا لواقع غريب ومركب، ففي حين تم منع وملاحقة التعبير عن الرأي  والتعاطف بكل شكل من الأشكال مع المأساة الإنسانية في غزة، نشاهد مأساة أخرى  على شاشة قناة "مكان" وينتابنا الشعور المزعج "اين هي اللغة العربية وهل نحن نشهد تبعثر ثقافتنا وتراثنا؟"

 

حظيت كل من الناصرة، حيفا، شفاعمرو، الطيرة بتمثيل أكبر من باقي البلدات، أما نجم الحلقات ففي حين اختار احد المشتركين الامتناع عن الطبخ كليا وترك الموضوع لطباخ ليقوم بالعمل بدلا منه عكس فكرة البرنامج، اختار اخر عدم الاكتراث بالتعاليم الدينية عند بعض المشتركين مما يثير الدهشة والجدل، كيف يتم خرق شكل البرنامج وكيف يتم عدم مراعاة مشاعر الآخر؟ هل تمت مناقشة الأمر لدى الانتاج؟ وهل علينا مناقشة الموضوع كمجتمع؟ علما انه في النسخة الإسرائيلية عندما التقى العلمانيون والمحافظين على الكشروت، رجحت كفة المحافظين واعتمد جميع المشاركين اكلات مناسبة تتماشى مع المطلوب عند الأقلية.

 

يعتمد البرنامج على خمسة طباخين هواة من المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وفي كل أسبوع نلتقي مجموعة جديدة او منطقة جديدة ويلبس المشتركين قبعة الحكام اضافة لقبعتهم كمشتركين ومنافسين. وربما تكون هذه هي التجربة الأولى في العالم العربي للبرنامج البريطاني come dine with me .

 يمكن تصنيف البرنامج كبرنامج فكاهي، فلقاء خمسة اشخاص غرباء ومختلفين من المتوقع أن يجلب العديد من المواقف المضحكة والتصادم واختلاف الآراء، خاصة إذا كان اختيار الشخصيات ناجحا، بالإضافة الى ذلك ستطفو عدة مواضيع اجتماعية حساسة، مما قد يثير الجدل ويؤثر على العلاقات بين المشتركين كما كان واضحا خلال التصويت.

أبطال الحلقات

 

بين ممرضين، أطباء تجميل، نجوم تيكتوك، فنانين، ربات بيوت، متقاعدين، محافظين وعلمانيين تألقت وبرزت شخصيات معينة اكثر من غيرها، فاكثر الشخصيات” عملقة“ وعجرفة كانت شخصية سمعان من الناصرة البرجوازي المرهق، والذي لم يتردد للحظة بتوزيع ”النقاط“ والإطراء لمن يتماشى مع توجهاته، وحظي كل من عارضه بنقد لاذع، رغم ذلك فهو من القلائل الذين حافظوا على التحدث باللغة العربية غالبية الوقت، وعندما خلع نظارة ”المختلف“ وجدت اللغة العبرية طريقها اليه بسرعة. محمد من نحف وهو مساعد برلماني صرح انه يأتي من عائلة محافظة وعندما قدم له سمعان التحلاية المليئة بالمشروب الكحولي لم يمتنع عن اكلها وبدا ان كل ما صرح به في الحلقة الأولى مجرد كلام او ربما يكون من اللحظات التي لم يتم منحه فيها حرية الاختيار.

الشخصية اللامعة من الاسبوع الاخير هي شخصية شريف طبيب العائلة والتجميل مواليد المزرعة واليوم يسكن في تل ابيب ويعكس لنا شريحة العرب في المدينة المصنفة من الاغلى عالميا، لا يهمه الاخر، بل "اللهم نفسي" بالإضافة الى مشكلته مع "الاكل الشعبي" فبنظره هو أكل لا يصلح للاستضافة ولا يصلح لتقديمه في برنامج تلفزيوني، وهنا يجدر التنويه يا شريف ان هناك أكثر من شيف في تل ابيب يقوم بتقديم الاكلات العربية الفلسطينية بأسماء جذابة وغربية! لكن أصل الطبخة يبقى عربيًا شعبيًا.

 

اما بالنسبة للمنافسة كانت رويدة ومنال ربات المنزل الاكثر تعبيرا لرغبتهن بالفوز وكان بالإمكان مشاهدة تعبير وجه الاخيرة عند اعلان النتائج. ما لفت نظري واثار تساؤلاتي كان التناقض في المواقف في مجموعة المركز، فمايا المقدسية تشارك في برنامج انتاج اسرائيلي لكنها تطلب عدم التحدث بالعبرية في بيتها!

في نهاية المطاف البرنامج هو برنامج تنافسي يعتمد على الاختلافات بل يشجعها ويستغلها لتعظيم المواقف المضحكة بمساعدة التعليق الصوتي وهو لاعب في غاية الاهمية يقوم به الممثل هنري اندراوس  اذ يقوم بإضافة تعليقات يمكن وصفها بالذكية، واحيانا متوقعة ولا تضيف شيء وفي أحيان نشعر بحاجة ماسة اليها ولا نجدها، فكتابة  التعليقات تشكل ايضا لاعبًا مركزيا يقوم به رازي نجار، وسبق واجتمع هذا الثنائي في أعمال سابقة في البرنامج الساخر "الشوسمو"، وهنا وبحسب تصريحاتهم فقد  امتنعوا عن  المس بالشخصيات على المستوى الشخصي مما قد يناقض شكل البرنامج ويناقض اختيار هذه الشخصيات.

تم اختيار 20 مشترك من أصل 200 بحسب اقوال المحررة الرئيسية للبرنامج عبير بخيت، وبحسب ما هو متبع فيتم اختيار المشتركين بحسب ما يظنه طاقم العمل مناسبًا، كمن سيجلب أكثر مشاهدات وطبيعة التصادم بين الشخصيات ويتخلل طاقم العمل أيضا المخرج والمحرر الرئيسي زيفيك جوردوتسكي والمحرر والمنتج الرئيسي افي ارموزا فهل كان اختيار الشخصيات نابع من كيفية رؤية المجتمع الإسرائيلي للإنسان العربي؟ ضمن لقاءات التسويق للبرنامج صرح المخرج والمحررة الرئيسية انهم توقعوا هجومًا عنيفًا نظرًا للأوضاع والتوتر السياسي وفوجؤوا بالأصوات المؤيدة، وهنا يتغير المفهوم ولم يكن بوسعنا أن نتجاهل أنه هناك جمهور هدف إضافي وكأنه على العربي مواطن الدولة ان يلائم توقعات الاغلبية ويتناسب معها.

 

جانب آخر يثير الفضول هو كيف استطاع المشاركون الحديث عن عدة امور إلا ذلك الذي يحلق حولنا في كل مكان، وبينما كشف المسؤولون عن البرنامج إن هذا كان اختيار المشتركين وهم امتنعوا عن الحديث في الأمور السياسية، علمنا نحن أنه تم توجيه المشاركين للامتناع عن التطرق للمواضيع السياسية، ولاحظنا في بعض الحلقات كيف تطفو كلمة فلسطيني ويصرح البعض بأصولهم وفخرهم.

بعيدًا عن السياسة ناقش المشتركون مواضيع شتى مثل الذكورية والنسوية، العلمانية والتديّن، اللغة والهوية، ومع ذلك علينا الادراك بأن اختيار الاسئلة والحوارات يتم في غرفة المونتاج. ففي بعض المشاهد كان الأمر واضحًا، وبدت الاسئلة موجه من قبل العاملين على البرنامج للحصول على إجابات معينة، مثال على ذلك عندما سؤلت رويدة عن حياتها الشخصية لتأخذ الحلقة منعطفا دراميا بعض الشي، أو عندما سؤال نور عن ذكرياته من العمل مع النازحين السوريين فتأثر وبكى.

 

برأيي، برنامج "تفضلوا ع العشا" هو برنامج مرحب به، لنتعرف عن قرب على تركيبة مجتمعنا وتحررنا من التفكير بالجمهور الإسرائيلي ومن الخوف من المس بالمشاركين. ربما نحظى من هنا بمناقشة جريئة أكثر لمواضيع عدة وليس فقط الاكل ومشتقاته كالرمز الأول المحافظ على هويتنا وتراثنا.

 

  • للشفافية: تعمل كاتبة المقال أحيانا كباحثة لأعمال تلفزيونية

جميع الحقوق محفوظة © 2024