الفيلم الفلسطيني ومثلث الجمهور وكورونا والأوسكار !
سماح بصول

توالت أخبار كثيرة مؤخرًا حول ترشيح أفلام فلسطينية لنيل جائزة الأوسكار، انتهت بالاعلان عن انتقال فيلم "الهدية" للمخرجة فرح نابلسي للتصويت للمرحلة الثانية قبيل اختيار الأفلام التي ستتنافس عن فئة الأفلام الروائية القصيرة. وسط الشعور بالفخر والسعادة، إلّا أني أجزم بأن من شاهدوا الفيلم – وغيره من الفلام التي سطع نجمها مؤخرًا - من بين الفلسطينيين قلّة قليلة جدًا لعدم إتاحته عبر أي منصة رقمية – رغم أن لجنة جائزة الأوسكار وظروف الكورونا جعلت من هذا ممكنًا وبديلًا لدور العرض! وهنا تفتتح أبواب عدّة للحديث عن تحديات السينما الفلسطينية: اتاحة الأفلام للجمهور، والكورونا ومعايير الأوسكار.

 

في أيلول/ سبتمبر 2020 أعلنت لجنة الترشّح لنيل جائزة الأوسكار عن وضع معايير جديدة لقبول أفلام متنافسة في فئة "أفضل فيلم" وذلك لتشجيع التمثيل المُنصف لمختلف الفئات المجتمعية على الشاشة وخلفها، ويشمل هذا تمثيل النساء بنسبة 30% على الأقل، تمثيل الفئات الإثنية والعرقية والأقليات المختلفة، أصحاب الإعاقات، ومجتمع المثليين والمتحولين جنسيًا. وسيسري مفعول هذه المعايير بدءًا من حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 96 في العام 2024، وأكد رئيس أكاديمية السينما أن الهدف من وضع هذه المعايير هو خلق حافز لتغيير أساسي وبعيد المدى في صناعة السينما.

 

تشمل المعايير 4 فئات هي : على الشاشة (ممثلين وممثلات)، الموظفين والموظفات العاملين وراء الشاشة، عمّال الاستوديوهات وكذلك المتدربين والمتقدمين لفئات تطوير الأفلام؛ ولكي يتمكن فيلم من الترشح لنيل الجائزة عن فئة "أفضل فيلم" يجب أن تتوفر فيه اثنتين من الفئات. ولن يتم تطبيق هذه المعايير على الأفلام المرشحة والتي سنعرف أصحاب الحظ فيها في حفل الأوسكار القادم الذي سيقام في 25 نيسان/ أبريل 2021.

وفي كل فئة هناك فئة ثانوية، فمثلًا كي يتمكن فيلم من الترشّح يجب أن تكون إحدى الشخصيات الرئيسية أو الثانوية من فئة عرقية أو إثنية أو أقلية لم يتم تمثيلها من قبل، ويجب ان تكون 30% من الشخصيات الثانوية من الأقليات، أو أن تكون القصة الأساسية متعلقة بفئة مجتمعية لم تحظ من قبل بالتمثيل الملائم. كذلك الأمر بالنسبة للطواقم العاملة، فيجب أن يكون هناك 30% من العمّال والموظفين من فئات مجتمعية لا تجد مكانها عادة في صناعة السينما، ولا يقف الحد عند مدخل موقع التصوير أو استوديو المونتاج، بل تشمل المعايير مجال التسويق والترويج والتوزيع!

 

كل هذا يدفعنا للتفكير مليًا: ماذا سيكون مصير الفيلم الفلسطيني في ظل هذه التغييرات اذا طالت كل الفئات وأهمها فئة "الفيلم الأجنبي" التي تنافس فيها الأفلام الفلسطينية عادةً؟ وهل سيفقد من قدرته على المنافسة أم ستتسع دائرة صناعة السينما الفلسطينية لتكون أكثر شمولية وحرصًا على استيفاء المعايير؟ كيف ستتمكن السينما الفلسطينية بامكانياتها المحدودة وهشاشة تمويلها من الاستجابة لهذه الشروط، والأهم كيف ستندمج المعاناة السياسية وعرض الاحتلال مع قضايا مجتمعية وعلى رأسها الأكثر تحديًا - المثلية الجنسية؟

 

منذ سنوات طويلة يتم ترشيح أفلام فلسطينية ضمن مسابقات في مهرجات عالمية، جزء منها يحظى بجوائز وبحق، وجزؤها الاخر يحظى بجائزة او تقدير او اشادة لكن بعد مشاهدته ومنافسيه يتضح بأن أفلامًا أخرى منافسة كانت أكثر جودة،  وهذا يدفع للسؤال والنقاش حول التعامل مع فلسطين كحالة سياسية وانسانية وتأثير ذلك في الحكم على انتجاتنا السينمائية! هل تحظى الأفلام بالتقدير بسبب ما يعانيه صنّاع السينما تمويليًا وتنفيذيًا وسياسيًا؟ هل تحظى فلسطين بالجائزة في محاولة لبعث بعض الفرح في نفس صانعها ممثلا عن شعبه المحتل؟ هل تحظى فلسطين بجائزة لملء الفرغ في خانة أفلام الشعوب المقموعة/ الفقيرة/ المحتلة/ النامية؟ أم أن بعضًا من ذلك محاولة لاسترضاء ضمائر من لا يجيدون تقديم شيء لفلسطين سوى التصفيق والدروع وبعض النشوة!

 

بالعودة إلى الفيلم الذي سيمثلنا في الأوسكار "الهدية"، فقد كان عسيرًا عليّ أن أجد ما يتيح لي مشاهدة هذا الفيلم، وعلى الرغم من أن أزمة كورونا أساءت كثيرًا الى دور العرض، إلا أن منصات عرض الأفلام حظيت بشعبية كبيرة، وقد استضافت منصة "استكانة" الفلسطينية فيلم الأخوين عرب وطرزان نصر "غزة مونامور" في الفترة الاولى لانطلاقه ونيله عددًا من الإشادات والتقديرات والجوائز.

 

يمكن ان نصف العلاقة بين الفيلم الفلسطيني والجمهور الفلسطيني بالاشكالية الى عدم وجود دور عرض في أنحاء فلسطين (سواء أراضي 48 او 67)، وانحسار المهرجانات السينمائية سوى أيام فلسطين السينمائية، ومهرجان حيفا المستقل، ومؤخرًا مهرجان إيليا، وإقتصار العروض المتفرقة على بعض المدن وتعلقها بنشاط الموزّع وقدرته الوصول الى اتفاقيات عرض مع المراكز والجمعيات الثقافية، رغم أني أميل لتحميل المخرجين أنفسهم بعضًا من المسؤولية في عدم إتاحة الأفلام للجمهور، خاصة عندما تكون في محل تمثيلنا عالميًا!

 

خلقت أزمة وباء كورونا حيزًا سينمائيًا بيتيًا جميلًا من خلال المنصات الانترنتية والمواقع المختلفة التي أضاءت على أفلام فلسطينية وصنّاع سينما لم تتح لهم فرص كثيرة لعرض أفلامهم، ولكن هذا لم يكن حافزًا للكثير من المنتجين والمخرجين لإخراج أفلامهم إلى النور حيث يجب أن تكون، فما الفيلم ان لم يصنع للمشاهدة؟ وما قيمة التقدير الأوروبي والأمريكي والكندي لفيلم لم يشاهده أهل البلد التي صُوّر فيها وعنها؟!

إن إتاحة الأفلام للمشاهدين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الانترنتية لن تقوّي أواصر العلاقة بيننا – كجمهور- وبين صناعة السينما فحسب، بل ستسهم في اثراء المعرفة والثقافة ومحو الأمية السينمائية، وتشجيع النقد المهني وقراءة الافلام وتحليلها، وربما تقود هذه مجتمعة - بعد حين - إلى رؤية أهمية السينما كسفيرنا للعالم وبالتالي إنشاء صناديق لتمويلها رسميًا وشعبيًا.

 

ان صناعة السينما رغم كل ما فيها من صعوبات انتاجية – لا تزال قائمة، وكل عام ينجح فيلم ما في جذب انتباه المهتمين في الشأن السينمائي فيغيّب بذلك الكثير من سابقيه، ولأن عُمر الفيلم السينمائيّ أصبح قصيرًا يجدر بصنّاع السينما نشر أفلامهم للعوام بمرور فترة على صدورها – ربما بعد سنة او سنتين على أقصى تقدير - فإن الفائدة من ذلك أكبر من أي خسارة.

جميع الحقوق محفوظة © 2024