فتيات الروابي.. التنمّر بنكهة أردنية!
سماح بصول

"لا يغسل العار إلّا النار" مشهد الختام الذي حوّل المحتوى نهائيًا ليكون الوحيد الذي يجعل من هذا المسلسل عربيًا أردنيًا، أما في ما عدا ذلك، فهو هو مسلسل أمريكي مدبلج للعربية.

 

من الواضح أن نتفليكس وجدت لها أماكن غير متوقعة لتستثمر فيها وتخرج منها ما يطيب لمشاهدي المنصة حول العالم مشاهدته. فلم يكن الإنتاج السينمائي او التلفزيوني الأردني يومًا منافسًا لنظرائه المصري او السوري او اللبناني وقلّما تخطى الحدود نحو العالمية ليكون مشتهى من قبل شركة الانتاج الرقمية الاكبر عالميا.

 

تربينا نحن في فلسطين على حكايات من الضفة الأخرى ببداوتها، وقرويتها ومدنيتها، لكن مسلسل "فتيات الروابي" كشف أمامنا حيزًا  اجتماعيًا كان مجهولًا، وأخرج من باطن المجتمع الأردني مواهب وقدرات رائعة، مغايرة عمّا ألفناه طوال سنوات الثمانينات والتسعينات، اضافة لكونه عملًا نسائيًا ينجح في اجتذاب مئات آلاف المشاهدين متأرجحًا ما بين قصة تنمّر عادية واختراق غير عادي لحياة الطبقة الارستقراطية الأردنية.

 

توليفة تجمع ممثلات ناشئات، وممثلات وممثلين مخضرمين، أداء جميل عمومًا، لكنه رائع على وجه الخصوص لكل من الممثلتين ركين سعد (نوف) وجوانا عريضة (رانية). تنكشف أمامنا حياة طبقة مخملية مثيرة للقلاقل والنميمة، وجنسيتها – الأردنية - هنا تأتي صدفة، لأن كل في هذا العمل رأيناه سابقًا في مسلسلات عربية وغربية كثيرة وعلى رأسها جانر أفلام المدارس الأمريكية.

 

رغم وقوعهما في فخ التفاصيل الصغيرة التي يتضح لنا انها لم تحظ بما يجب من التفكير والحبكة، تنجح الكاتبة والمخرجة في اضفاء سمات محلية على حكاية عادية وجعلها جذابة، فحجاب "رقية" هنا اضاءة على جانب من حياة المراهقات من العائلات الملتزمة دينيًا واللاتي ترتبط حياتهن ومسارها بهذا الحجاب خاصة عندما يصبح خلعه منفذًا للاستغلال والابتزاز. اما الصهباء "رانية" صاحبة شخصية قوية مستقلة تتحدى القمع العائلي، وعنف والد مدمن وتعيش حياة شبه مزودجة. أما "نوف" المدججة بالاكسسوارات على الجسد فليست الشريرة كما توحي ملابسها السوداء، بل فتاة هشّة تخفي عكس ما تًبدي.  والفتاة الاكثر ثراءً "ليان" فهي الضحية التي تدفع الثمن الأكبر، وقمعها العائلي المغلّف بخدع الحماية والحب يسوق الى مذبح المجتمع فتيات أخريات. "ليان" هي انعكاس لمنظومة اجتماعية كاملة ونتاج لعائلة تستحوذ على كل ما ترغب بالمال والقوة بصورة بعيدة كل البعد عن التحضر الاخلاقي والفكري، لأن التحدي أمام "شرف العائلة" سرعان ما يحسم النتيجة ويعود بنا الى الأصل، حيث نكتشف ان الرجعية مغلّفة بالملابس الجميلة والسيارات الفارهة وبيوت الف ليلة وليلة. ولعل الفتاة الاكثر اثارة هنا، والشخصية الاكثر تحولًا وتركيبًا هي "مريم" التي يدفع بها موضوع المسلسل الرئيس – التنمّر وعواقبه – الى التحوّل فعلًا من "القُطّة المغمضّة" الى "البيتش"! ليختتم المسلسل بضحتها الصفراء التي تبشر – ربما- بولادة "ليان" جديدة.

 

هذا العمل لا يأبه فعلًا بالنخب الأردنية، بل يستخدمها دراميًا فقط. في حقيقته يضع أمامنا جميعًا على اختلاف جنسياتنا وطبقاتنا الاجتماعية، واقع المراهقات في كل مكان، نساء صغيرات يبحثن عن مكانهن في هذا العالم، يخضن صراعًا فطريًا من اجل السيطرة وفرض القوة، يتحدين المنظومة الذكورية التي تكتم أصواتهن. وكتم الصوت في هذا العمل لافت، كتم صوت الفتاة عندما تتعرض للتنمّر، كتم صوت المراهقة عندما تتعرض للاستغلال من شاب يكبرها سنًا، وكبت خانق للأنثى عندما تتعرض للمضايقة الجنسية والتحرش!

 

جدير هذا العمل بالمشاهدة لأن فيه رسالة للوالدين المنشغلين عن الأبناء، ورسالة لطواقم الادارة والتدريس الذين يبنون جدرانًا عازلة للتعبير عن النفس أمام طلابهم، ورسالة أكبر للمجتمع الذي يشهر سيفه مُنكرًا  على المراهقات حقهن في اختبار الصواب والخطأ كغيرهن من البشر!

 

 

جميع الحقوق محفوظة © 2024