لعل واحدًا من أبرز الاحداث التي أثارت الساحة السينمائية الفلسطينية منذ مطلع العام الذي يشارف على الانتهاء هو إعلان منصة الأفلام العالمية "نتفليكس" في الرابع عشر من اكتوبر عن إتاحة مجموعة أفلام فلسطينية للعرض في جميع انحاء العالم – حسب اقوال الشركة. ويبلغ عدد هذه الأفلام 32 فيلمًا لمخرجات ومخرجين فلسطينيين وتتنوع بين الوثائقي والتسجيلي والروائي، تجمعها المنصة تحت تعريف "أفلام حائزة على جوائز عالمية".
انشغلت وسائل اعلام عالمية وفلسطينية وعربية وحتى اسرائيلية بهذه الخطوة، واحتفت نتفليكس وكذلك المخرجات والمخرجون والمهتمون بالشأن السينمائي الفلسطيني عمومًا بهذه الخطوة، وهي خطوة مهمة بلا شك تتيح أرشفة ومشاهدة مجموعة من الافلام التي بات بعضها بفعل التطورات التقنية- صعب المنال، ومهمة العثور عليها ومشاهدتها يتطلب جهودًا خاصة قد تصل حد التواصل مع شركة الانتاج او المشركة الموزعة؛ خاصة لمن يبحثون في تاريخ وثيمات السينما الفلسطينية. ولكن- كما هو الحال في استثمار شركة تجارية بمحتوى وموروث ثقافي، لا بد من النظر الى التفاصيل الصغيرة التي تتعلق باختيار الافلام وفحواها وطريقة عرض نتفلكيس لها، اذ يجدر بنا طرح بعض التساؤلات حول الدوافع والتوقيت لمبادرة كهذه.
اعتبرت نتفليكس من خلال تصريحاتها هذه الخطوة تقديرًا للابداع الفلسطيني، وان الافلام عبارة عن قصص رائعة جديرة بتخطي حدود دولة صانعيها والوصول للعالمية، ويبدو واضحًا أن الموقف السياسي المتمثّل بالتضامن مع الرواية الفلسطينية لا يجد له مكانًا هنا، وهذا ما استطعت استخلاصه من خلال قراءة كيفية النصوص التسويقية التي تصاحب الافلام.
لا ألغي اهمية وضرورة ملايين المشاهدات التي يمكن ان تحظى بها هذه الافلام في دول العالم المختلفة، وبالتالي انكشاف المزيد من الناس على روايتنا في ظل الاحتلال الذي يغيب كليًا عن النصوص المقترحة من قبل الشركة.
مع كامل وعيي ومعرفتي بضرورة ملاءمة النصوص للوغريثمات البحث، وتصنيفات الأفلام، الا اني لا ازال اجد من الضروري التدقيق في بعض التفاصيل الصغيرة والتساؤل. فمثلا تصنف نتفليكس فيلم "عمر" الذي يتحدث عن الحياة في ظل الاحتلال ونار القناصة تحت فئة افلام "suspenseful" ثم تتم الإشارة الى احتوائه على مشاهد عنف. اما فيلم "بونبونة" الذي يتحدث عن تهريب النطف من قبل الأسرى الامنيين فيصنف كفيلم "قضايا اجتماعية"، وفيلم "3000 ليلة" الذي يعكس صورة عن معاناة الأسيرات الفلسطينيات فيوضع تحت خانة الافلام المثيرة للمشاعر! وفيلم "الهدية" الذي يتطرق للمعاناة خلال التنقل في الأراضي المحتلة فيقدم للعالم بوصفه فيلم يتحدث عن يوسف من الضفة الغربية الذي يحتاج الى مهارات في التفاوض كي يتمكن من احضار هدية لزوجته!
كل هذه التعريفات تأتي معقمة تمامًا من واقع الفلسطيني المرتبط بالاحتلال، فتتحوّل حكايتنا الى قصص انسانية خالية من اي سياق سياسي وبعيدة عن صراع قومي عمره 74 عاما! ومن يعتقد ان التعريفات في نتفليكس لا تحمل اي مواقف سياسية من الصراع في كل الافلام والمسلسلات فيسرني أن اشير الى أن وصف فيلم "ميونخ" للمخرج ستيفن سبيلبيرغ احتوى على مصطلح "ارهابيين فلسطينيين"، ومسلسل "فوضى" يوصف كقصة عن عميل اسرائيلي يخرج "لاصطياد" مقاتل فلسطيني! والأكثر لفتًا للنظر هو عدم قدرتي انا التي تسكن في الاراضي المحتلة عام 48 على مشاهدة الـ 32 فيلمًا المعلن عنها والاكتفاء بـ 29 فقط! من بينها عدم القدرة على مشاهدة فيلم "الجنة الآن" الحاصل على جائزة جولدن جلوب، أليس هذا مثيرًا للتساؤل؟ هل خشيت نتفليكس من إتاحة الفيلم في المنطقة المعرّفة "إسرائيل" تحسبًا للنقد أم خوفًا من أن تُحسب عليها شرعنة دوافع العمليات الاستهادية؟
تعود بعض الافلام المتاحة الى سنوات بعيدة، وربما نشكر نتفليكس على اعادة احياء هذه الافلام وعرضها، اما ما أخشاه فهو ان يكون الدافع من وراء هذا القرار نابع من محاولة خلق توازن بين طرفي الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي؛ خاصة بعد طرح عدد من المسلسلات اسرائيلية الانتاج، واخرى تدور في فلك اليهودية والغوص في حياة اليهود الارثوذوكس، والنجاح الذي حظي به مسلسل "فوضى".
في ظل غياب الفرص، قلّة المهرجانات ودور العرض التي تقدم الافلام الفلسطينية المخبأة في جوارير شركات الانتاج والمخرجين؛ لا بد من النظر بعين الجدية الى هذه الخطوة، وعدم الاكتفاء بالشكر والثناء، والايمان بأن لنا الحق في معرفة المقاييس التي تم اختيار الافلام وفقًا لها، فالتفاوت بين الأفلام موجود وخاصة في جودتها وقدرتها على عكس صورة عن المجتمع الفلسطيني بمختلف تعقيداته. وكذلك حقنا في معرفة دوافع شركة تسعى لمنافسة منصات أخرى من خلال توسيع دوائر نفوذها، فهل نذعن اذا ما كان الهدف من هذه الخطوة هو تجاري فقط؟!