نشتم رائحة الشر!
سماح بصول

قد يلاحظ مُشاهد فيلم الكرتون "Howl's moving castle " للمخرج هاياو ميازاكي، الفرق بين حجم أنف بطل القصة " هاول" وحجم أنوف كل من السيدة "بندراغين" والساحرة من وايست.  تحمل شخصية "هاول" أنفًا يكاد يرى فيما يبرز الأنف من بين أعضاء وجه المرأتين. وكذلك الأمر عند مقارنة أنوف اليابانيين مقابل غير اليابانيين في فيلم " The wind Rises" لذات المخرج وعلى وجه الخصوص شخصية التحريّ "شارلوك"، فيما يتكرر الأمر في فيلمه "Lupin the 3rd" أيضًا.

لم يكن اختيار الأنف البارز حصرًا على أعمال ميازاكي، فإذا استذكرنا عددًا من مسلسلات كرتونية تابعها ملايين الأطفال العرب قبل قنوات التلفزة العربية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وكذلك سنوات الـ 2000، لا بد لنا من استعادة شخصيات لا تُنسى تميّزت عن البطل والشخصيات المقربّة منه المُحبة له ببروز أنفها، مثل السيدة "منشن" في مسلسل "سالي"- مقارنة بأنف أختها إيميليا والطالبات؛ والمعلم "دوبينز" من مسلسل "توم سوير" مقارنة بعائلة توم ورجال البلدة؛ وحتى أنف الساحرات سواء من مسلسل "بوباي البحّار" أو فيلم "الجميلة النائمة". يُضاف إلى هذه المسلسلات الكرتونية على سبيل الذكر أنف المربية غير المحبوبة "Nanny McPhee" من فيلم دراما بريطاني يحمل نفس الأسم.

***

إن الأفلام والمسلسلات الكرتونية رواية كما كل رواية أخرى، لها تسلسل أحداث وشخصيات ذات مميزات، هناك علاقات بين الشخصيات التي تتنوع ما بين السطحية و المركبة، وتعيش هذه الشخصيات ضمن مكان وزمان محددين نتعرف اليهما من خلال وصف المواقع والأزمنة. ضمن هذا العالم المولود من خيال الكاتب لا بد من صفات لكل شخصية تحددها شكلًا ومضمونًا، وربما يجد الكاتب منفذًا في ابراز سمات شكلية للشخصيات تسهم في منح انطباع أولي عند رؤيتها – سلبًا وإيجابًا. وقد يكون هذا الانطباع متأثرًا من معرفتنا كقراء مع كل ما تخزنه عقولنا من قوالب وأنماط ولا وعينا في اتمام الناقص بما يحمله من تراكم معرفي بصري. هذا التراكم جعل من صفات الجمال والبشاعة مفاهيم حفرت في أذهان الناس وبات الجهد في القرن الحالي كبيرًا لتغييرها واستبدالها بمفاهيم أخرى تعتمد التنوع والتقبل والتعددية.

 

بالنظر الى العلاقة ما بين هذه الشخصيات ذات السمات الشكلية غير الجميلة والبطل، نجدها تقف دائمًا في صف العداء، سواء ظهر ذلك في بنية السرد من بدايتها او جراء تحوّل يطرأ خلال تطور الأحداث، في كلتا الحالتين قد نجد عددًا كبيرًا من أصحاب شخصية "عدو البطل" تحمل أنفًا كبيرًا بارزًا يفتقد للجمال. فلمَ تجتمع هذه الشخصيات على أنف، وما "مكانة" الأنف ومعناه في ثقافات صنّاع هذه الشخصيات، فكما في كل صناعة فن لا يمكن للفنان وأعماله ان يلوذا بعيدًا عن الحاضر والواقع والثقافة السائدة وحتى الآراء المسبقة اجتماعيًا وعرقيًا وإثنيًا.

 

منذ سنوات بعيدة لوحظ اتّسام الشخصيات الشريرة او غير الودودة في عدد كبير من المسلسلات والافلام الكرتونية بأنف غير متسّق او كبير الحجم او مدبب بشكل لافت. للوهلة الأولى يبدو ذلك عاديًا أو ربما جزء من تنوّع أشكال البشر الذين تم تجسيدهم في هذه الأعمال، لكن اذا ما عدنا الى الوراء نحو السنوات الماضية التي نشط فيها استخدام الرسوم نجد أن للأمر جذورًا سياسية تعود لأكثر من 80 سنة!

 

في القصة الكرتونية كما في القصة او الرواية لا بد من الحرص ان تترك الشخصية أثرًا على المتلقي، ولضمان نجاح تقديم شخصية يتكامل شكلها مع دورها في الحكاية يجب الانتباه للتفاصيل. ان عامل التشابه ما بين الشخصيات الكرتونية والبشر يفرض بعض الأسئلة: هل الشخصيات الكرتونية التي يتجسد بشرًا يجب ان تكون متماثلة مع البشر وشكلهم ومقاساتهم؟ أم هي مجرد شخصيات على هيئة بشر وبالتالي لا يجب على المصمم او الرسام الحرص على التفاصيل الدقيقة التي قد تصل حد تشويه الشكل؟

في بحث كتبه جولدمان وهاجين[1] – بعد معاينة 100 شخصية كرتونية –على ان الرسام الغربي يبالغ في رسم الأنف والذقن، فيما أكد بحث كتبه بيليتي ووايد[2] ان سمات وجه الجيد والسيء او الشرير  والبطل تختلف – بعد معاينة 40 شخصية كرتونية. وعندما نتحدث عن مميزات فإن الحديث يدور عن نسبة الأنف في الوجه، طوله، عرضه، وشكله ومدى التناسب مع باقي أعضاء الوجه. خلص البحثان ان التصميم في نهاية الأمر متعلق بمفاهيم الجمال المرتبطة بالعرق، ليكون العرق الابيض هو الاكثر جاذبية يخلفه الافريقي ثم الاسيوي.

وقد أظهرت هذه الابحاث ان الشخصيات الكرتونية اليابانية مبالغ فيها بمقدار 9 درجات – وفق مقياس حساب دقيق للتقاسيم- مقارنة بالوجه البشري، وخاصة في الزاوية من مركز الحاجب إلى الجزء الأيسر من الأنف إلى قاعدة الأنف، أما الشخصيات الكرتونية الأمريكية فلديها أنوف أكثر طولًا.

 

شخصيات ديزني والأنف اليهودي

منذ العام 1890 بدأ الطبيب الجرّاح اليهودي جاكوس جوزيف بعمليات تجميلية للأنف في برلين، ومع تعاظم قوة النازيين بدأ اليهود في ألمانيا يتوافدون عليه طلبًا في تغيير شكل انوفهم التي دلت على عرقهم، وتحوّلت أنوفهم الى مصدر رعب لهم.

بالتزامن؛ شهدت الفترة النازية نشاطًا لافتًا للرسوم المتحركة وفنون الجرافيك، وانتشرت في شوارع برلين (وفيينا كذلك)  منشورات وصحف احتوت رسومًا كاريكاتيرية بطلها "السيد كوهين" وهو رجل يهودي بالطبع ذي أنف كبير بارز ومدبب. وفي العام 1893 صدر بحث في فيينا كتبه الانثروبولوجيست أوسكار هوفوركا ذكر فيه أن الأنف الكبير هو من السمات العرقية السلبية، فصاحبه شرير أو غبي.

لم تحِد الخيارات العنصرية في الرسوم عن المنشورات المخصصة للاطفال والشبيبة، فقد احتوت مجلة الرسوم "الفطر المسموم" (Der Giftpilz) من العام 1935 على رسومات يظهر فيها اليهودي بشكل واضح كصاحب وجه يتوسطه أنف كبير الحجم ومعقوف.

تبنّت شركة "وولت ديزني" هذا التمييز فأصبح صاحب الأنف اليهودي هو الشخصية المكروهة في انتاجاتها الكرتونية. ففي العام 1933 حاز الفيلم الكرتوني " the Three Little Pigs" على جائزة الأوسكار، وفيه يعرّف الذئب المخادع نفسه أمام الخنازير الصغيرة بأنه يهودي، ويتنكر في زي على شكل عباءة طويلة، ولكنة ييديشية وأنف كبير ومعقوف بشكل لافت نحو الفم.

حتى الكاتب تشارلز ديكينز اختار في روايته "أنشودة الميلاد A Christmas Carol" أن تكون الشخصية المركزية الشريرة التي تكره عيد الميلاد واحتفالاته، مصرفيّ بخيل ذي أنف بارز معقوف وأسمه "إبنيزر سكروج" وتم تحليل اسمه الاول على انه دمج لشقي المصطلح العبري "إيفين عيزر אבן עזר".

 

الأنف في الرسوم الفلسطينية

الفنان الفلسطيني عبد الله قواريق يرسم شخصيات لقصص أدب الأطفال، ويقول عن العلاقة بين شكل الانف ومكان الشخصية على محور الشر في النص: "اصبح من المتعارف ان الانف الكبير ليس من علامات الرقة والجمال مثل العيون الكبيرة او الواسعة، فلا يمكن الاشارة للشرير بعيون واسعة وجميلة. عندما أرسم شخصيات غير ودودة، او شريرة لادب الاطفال فإنني أفرّق مثلا ما بين الشامة والبثرة – فالشامة من علامات الجمال".

وفيما يعيدنا التاريخ الى اليهود ومكانتهم في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، فإن عبدالله يستقي بعض التفاصيل في وجوه وأشكال الشخصيات من نص الكاتب إن وجدت، وإن غابت اعتمد على المصطلحات التي يستخدمها الاطفال (المشاكسين) للتنمر على زملائهم او ما يرسمه الأطفال من شخصيات تتميز بالأنف الكبير او فتحة الأنف الواسعة الى جانب الاسنان الكبيرة والشعر المنكوش او العيون الجاحظة عندما يحاولون تجسيد الشخصيات الأقل لطفًا وظرافة!

 

قد يكون موقع الأنف وسط الوجه ما يجعله يحظى بهذا لاهتمام، وربما هو ما يجعله أيضًا قابلًا لحمل وزر انتماء اصحابة اثنيًا وعرقيًا، وربما في تصوّر أكثر عدلًا – هو علامة انتماء وجمال وتميّز. لكن باختلاف اشكال أنوف رسامي الكرتون وخلفياتهم الثقافية وافكارهم نمطية كانت او متحررة، لديهم علاقات تاريخية بأوروبا أم لم تكن – لا يزالون مجمعين على أن أنف الشرير لا يمكن أن يكون بحجم حبّة فستق – فسيماهم في وجوههم!



[1] Goldman, M.; Hagen, M. The forms of caricature: Physiognomy and political bias. Stud. Vis. Commun. 19785, 30–36.

[2] Belletti, N.E.; Wade, T.J. Racial characteristics and female facial attractiveness perception among United States university students. In Racism in the 21st Century; Springer: Berlin, Germany, 2008; pp. 93–124.

جميع الحقوق محفوظة © 2024